قُلْنَ حاشَ لِلَّهِ ما عَلِمْنا عَلَيْهِ مِنْ سُوءٍ أي قبيح. بالغن في نفي جنسه عنه بالتنكير، وزيادة (من) قالَتِ امْرَأَةُ الْعَزِيزِ الْآنَ حَصْحَصَ الْحَقُّ أي ثبت واستقر وظهر بعد خفائه. أَنَا راوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ وَإِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ أي في قوله: هي راودتني عن نفسي.
قال الزمخشري: ولا مزيد على شهادتهن له بالبراءة، والنزاهة، واعترافهن على أنفسهن، بأنه لم يتعلق بشيء مما قرفنه به، لأنهن خصومه. وإذا اعترف الخصم بأن صاحبه على الحق، وهو على الباطل، لم يبق لأحد مقال. انتهى-.
والفضل ما شهدت به الأعداء
[القول في تأويل قوله تعالى: [سورة يوسف (١٢) : آية ٥٢]]
ذلِكَ لِيَعْلَمَ أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بِالْغَيْبِ وَأَنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي كَيْدَ الْخائِنِينَ (٥٢)
ذلِكَ تقول امرأة العزيز: ذلك الذي اعترفت به على نفسي لِيَعْلَمَ أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بِالْغَيْبِ أي ليعلم يوسف أني لم أكذب عليه في حال الغيبة، وجئت بالصحيح والصدق فيما سئلت عنه، أو ليعلم زوجي أني لم أخنه بالغيب في نفس الأمر، ولا وقع المحذور الأكبر، وإنما راودت هذا الشاب مراودة فامتنع، فاعترفت ليعلم أني بريئة.
وَأَنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي كَيْدَ الْخائِنِينَ أي لا يرضاه ولا يسدّده.
[القول في تأويل قوله تعالى: [سورة يوسف (١٢) : آية ٥٣]]
وَما أُبَرِّئُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلاَّ ما رَحِمَ رَبِّي إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَحِيمٌ (٥٣)
وَما أُبَرِّئُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلَّا ما رَحِمَ رَبِّي إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَحِيمٌ تريد:
وما أبرئ نفسي مع ذلك، فإن النفس تتحدث وتتمنى، ولهذا راودته. أو تعني: أني ما أبرئ نفسي من الخيانة، فإني قد خنته حين قرفته وقلت: ما جَزاءُ مَنْ أَرادَ بِأَهْلِكَ سُوءاً إِلَّا أَنْ يُسْجَنَ؟ وأودعته السجن. تريد الاعتذار مما كان منها أن كل نفس لأمارة بالسوء، إلا نفسا رحمها الله بالعصمة، كنفس يوسف.
ثم إن تأويل قوله تعالى: ذلِكَ لِيَعْلَمَ ... الآية- على أنه حكاية قول امرأة العزيز- قال ابن كثير: هو القول الأشهر والأليق والأنسب بسياق القصة، ومعاني الكلام. وقد حكاه الماورديّ في تفسيره، وانتدب لنصره الإمام أبو العباس ابن تيمية