السلام لما لم يخش للنوائب وعيدا ولا للتجارب تهديدا. ولم يخف للسجن ظلما وشرّا ولا للتنكيل به ألما وضرا، بل ألقى توكله على الرب، وصبر إزاء تلك البلية ثابت القلب- نال بطهارته وتقواه تاج الفخر ولسان الصدق طول أيام الدهر. وها إن فضيلته لم يعف جميل ذكراها مرور الأيام، ولم يعبث بنضارتها كرور الأعوام، بل ادخرت لنا مثالا نقتفي أثره عند طروء التجارب، وملاذا نعوذ به في المحن والمصائب، ومقتدى نتدرب به على التثبت في مواقف العثار، وننهج منهاجه في التقوى وطيب الإزار. فننال في الدنيا سمة المجد، ونفوز في الآخرة بدار الخلد.
وقوله تعالى:
[القول في تأويل قوله تعالى: [سورة يوسف (١٢) : آية ٥٥]]
قالَ أي يوسف للملك اجْعَلْنِي عَلى خَزائِنِ الْأَرْضِ أي ولّني خزائن أرضك. يعني جميع الغلات لما يستقبلونه من السنين التي أخبرهم بشأنها، فيتصرف لهم على الوجه الأرشد والأصلح، ثم بين اقتداره في ذلك فقال: إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ أي أمين أحفظ ما تستحفظنيه، عالم بوجوه التصرف فيه.
قال الزمخشري: وصف نفسه بالأمانة والكفاية اللتين هم طلبة الملوك ممن يولونه.
وإنما قال ذلك ليتوصل إلى إمضاء أحكام الله تعالى، وإقامة الحق، وبسط العدل. والتمكن مما لأجله تبعث الأنبياء إلى العباد، ولعلمه أن أحدا غيره لا يقوم مقامه في ذلك فطلب التولية ابتغاء وجه الله، لا لحب الملك والدنيا.
فإن قلت: كيف جاز أن يتولى عملا من يد كافر، ويكون تبعا له، وتحت أمره وطاعته؟
قلت: روى مجاهد أنه كان قد أسلم. وعن قتادة هو دليل على أنه يجوز أن يتولى الإنسان عملا من يد سلطان جائز. وقد كان السلف يتولون القضاء من جهة البغاة ويرونه. وإذا علم النبيّ أو العالم أنه لا سبيل إلى الحكم بأمر الله ودفع الظلم إلا بتمكين الملك الكافر أو الفاسق، فله أن يستظهر به.
وقيل: كان الملك يصدر عن رأيه، ولا يعترض عليه في كل ما رأى، فكان في حكم التابع له والمطيع. انتهى.