المراد لا محالة، بل هو تدبير في الجملة. وإنما التأثير وترتيب المنفعة عليه من العزيز القدير، وإن ذلك ليس بمدافعة للقدر، بل هو استعانة بالله تعالى، وهرب منه إليه.
إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ أي لا يشاركه أحد، ولا يمانعه شيء عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَعَلَيْهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ.
[القول في تأويل قوله تعالى: [سورة يوسف (١٢) : آية ٦٨]]
وَلَمَّا دَخَلُوا مِنْ حَيْثُ أَمَرَهُمْ أَبُوهُمْ أي: من الأبواب المتفرقة ما كانَ أي ذلك الدخول يُغْنِي عَنْهُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا حاجَةً فِي نَفْسِ يَعْقُوبَ قَضاها أي أبداها، وَإِنَّهُ لَذُو عِلْمٍ لِما عَلَّمْناهُ أي: علم جليل، لتعليمنا إياه بالوحي، ونصب الأدلة، حيث لم يعتقد أن الحذر، يدفع القدر، وأن التدبير، له حظ من التأثير. وفي تأكيد الجملة ب (إن) و (اللام) وتنكير العلم، وتعليله بالتعليم المسند إلى ذاته سبحانه، من الدلالة على شأن يعقوب عليه السلام، وعلوّ مرتبة علمه وفخامته، ما لا يخفى- أفاده أبو السعود-.
وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ أي فيظنون الأسباب مؤثرات.
قال ابن حزم في (الملل) : كان أمر يعقوب عليه السلام بدخولهم من أبواب متفرقة، إشفاقا عليهم، إما من إصابة العين، وإما من تعرض عدوّ، أو مستريب بإجماعهم، أو ببعض ما يخوّفه عليهم. وهو عليه السلام معترف أن فعله ذلك، وأمره إياهم بما أمرهم به من ذلك، لا يغني عنهم من الله شيئا يريده عزّ وجلّ بهم. ولكن لما كانت طبيعة البشر جارية في يعقوب عليه السلام، وفي سائر الأنبياء عليهم السلام، كما قال تعالى حاكيا عن الرسل أنهم قالوا: إِنْ نَحْنُ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ [إبراهيم: ١١] ، حملهم ذلك على بعض النظر المخفف لحاجة النفس ونزعها وتوقها إلى سلامة من تحب، وإن كان ذلك لا يغني شيئا، كما كان عليه السلام يحب الفأل الحسن «١» .
(١) أخرجه البخاريّ في: الطب، ٤٤- باب الفأل، حديث ٢٢٦٨، عن أنس.