فتدرك بإدراكها الروحاني لأنها مفطورة عليه. وتقتبس من صور الأشياء التي صارت متعلقة في ذاتها حينئذ، ثم يأخذ الخيال تلك الصور المدركة، فيمثلها بالحقيقة أو المحاكاة في القوالب المعهودة. والمحاكاة من هذه هي المحتاجة للتعبير، وتصرفها بالتركيب والتحليل في صور الحافظة، قبل أن تدرك من تلك اللمحة ما تدركه هي- أضغاث أحلام.
وفي الصحيح أن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال «١» : (الرؤيا ثلاث: رؤيا من الله، ورؤيا من الملك، ورؤيا من الشيطان)
وهذا التفصيل مطابق لما ذكرناه فالجليّ من الله، والمحاكاة الداعية إلى التعبير من الملك، وأضغاث الأحلام من الشيطان لأنها كلها باطل، والشيطان ينبوع الباطل.
هذه حقيقة الرؤيا، وما يسببها ويشيعها من النوم. وهي خواص للنفس الإنسانية، موجودة في البشر على العموم، لا يخلو عنها أحد منهم، بل كل واحد من الإنسان رأى في نومه ما صدر له في يقظته، مرارا غير واحدة، وحصل له القطع أن النفس مدركة للغيب في النوم، ولا بد. وإذا جاز ذلك في عالم النوم، فلا يمتنع في غيره من الأحوال، لأن الذات المدركة واحدة، وخواصها عامة في كل حال. انتهى.
وذكر رحمه الله عند بحث (علم تعبير الرؤيا) أن التعبير لها كان موجودا في السلف، كما هو في الخلف، وأن يوسف الصديق، صلوات الله عليه، كان يعير الرؤيا، كما وقع في القرآن، وكذلك ثبت في الصحيح عن النبيّ صلى الله عليه وسلم، وعن أبي بكر رضي الله عنه، والرؤيا مدرك من مدارك الغيب كما تقدم. وأما معنى التعبير فاعلم أن الروح العقليّ، إذا أدرك مدركه، وألقاه إلى الخيال فصوّره، فإنما يصوّره في الصور المناسبة لذلك المعنى بعض الشيء. ومن المرئيّ ما يكون صريحا لا يفتقر إلى تعبير، لجلائها ووضوحها، أو لقرب الشبه فيها بين المدرك وشبهه. وللبحث تتمة سابغة، انظرها ثمة.
وقوله تعالى:
[القول في تأويل قوله تعالى: [سورة يوسف (١٢) : آية ٧]]