ألا هل أتى الحسناء أنّ خليلها ... بميسان يسقى في زجاج وحنتم
إذا شئت غنّتني دهاقين قرية ... ورقّاصة تحثو على كلّ مبسم
فإن كنت ندماني فبالأكبر اسقني ... ولا تسقني بالأصغر المتثلّم
لعلّ أمير المؤمنين يسوؤه ... تنادمنا بالجوسق المتهدّم
فلما بلغ ذلك أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه، قال: إي والله! إنه ليسوؤني ذلك. ومن لقيه فليخبره أني قد عزلته، وكتب إليه عمر (بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ. حم تَنْزِيلُ الْكِتابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ. غافِرِ الذَّنْبِ وَقابِلِ التَّوْبِ شَدِيدِ الْعِقابِ ذِي الطَّوْلِ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ إِلَيْهِ الْمَصِيرُ. أما بعد فقد بلغني قولك:
لعل أمير المؤمنين يسوؤه ... تنادمنا بالجوسق المتهدّم
وأيم الله! إنه ليسوؤني ذلك. وقد عزلتك) .
فلما قدم على عمر. بكّته بهذا الشعر. وقال: والله! يا أمير المؤمنين! ما شربتها قط وما ذاك الشعر إلا شيء طفح على لساني. فقال عمر: أظن ذلك. ولكن، والله! لا تعمل لي عملا أبدا، وقد قلت ما قلت.
فلم يذكر أنه حدّه على الشراب، وقد ضمنه شعره. لأنهم يقولون ما لا يفعلون. ولكن ذمّه عمر ولامه على ذلك وعزله به.
وحكى الزمخشريّ عن الفرزدق أن سليمان بن عبد الملك سمع قوله:
فبتن بجانبيّ مصرّعات ... وبتّ أفضّ أغلاق الختام
فقال: وقد وجب عليك الحدّ. فقال: يا أمير المؤمنين! قد درأ الله عني الحدّ بقوله وَأَنَّهُمْ يَقُولُونَ ما لا يَفْعَلُونَ.
ثم استثنى تعالى الشعراء المؤمنين الصالحين، بقوله:
[القول في تأويل قوله تعالى: [سورة الشعراء (٢٦) : آية ٢٢٧]]
إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ وَذَكَرُوا اللَّهَ كَثِيراً وَانْتَصَرُوا مِنْ بَعْدِ ما ظُلِمُوا وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ (٢٢٧)
إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ وَذَكَرُوا اللَّهَ كَثِيراً أي في شعرهم، بأن كان غالبه في توحيد الله والثناء عليه والحكمة والموعظة والآداب الحسنة وَانْتَصَرُوا أي بشعرهم على عدوّهم بأن هجوه مِنْ بَعْدِ ما ظُلِمُوا أي فكان هجاؤهم على