قيل: استولى. والله تعالى لا مضادّ له، وهو على عرشه كما أخبر. ثم قال: الاستيلاء بعد المغالبة، كما قال النابغة:
إلا لمثلك أو من أنت سابقه ... سبق الجواد إذا استولى على الأمد
وروى الخطيب البغدادي عن محمد بن أحمد بن النضر قال: كان ابن الأعرابي جارنا، وكان ليله أحسن ليل، وذكر لنا أن ابن أبي دؤاد سأله: أتعرف في اللغة استوى بمعنى استولى؟ فقال لا أعرفه! وفي رواية. أرادني ابن أبي دؤاد أن أطلب له في بعض لغات العرب ومعانيها الرَّحْمنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوى استوى بمعنى استولى، فقلت له: والله ما يكون هذا، ولا وجدته. وابن الأعرابي أبو عبد الله كان لغوي زمانه- كما قال الذهبي-.
وقال الإمام أبو الحسن الأشعري في كتابه الذي سماه (الإبانة في أصول الديانة) ، وقد ذكر أصحابه أنه آخر كتاب صنفه، وعليه يعتمدون في الذب عنه، عند من يطعن عليه، فقال:
[فصل في إبانة قول أهل الحق والسنة]
فإن قال قائل: قد أنكرتم قول المعتزلة والقدرية والجهمية والحرورية والرافضة والمرجئة، فعرفونا قولكم الذي به تقولون. قيل له: قولنا الذي نقول به التمسك بكتاب ربنا، وسنة نبينا، وما روي عن الصحابة والتابعين، وأئمة الحديث، ونحن بذلك معتصمون، وبما كان يقول أبو عبد الله أحمد بن حنبل، نضر الله وجهه، ورفع درجته، وأجزل مثوبته، قائلون، ولما خالف قوله مخالفون، لأنه الإمام الفاضل، والرئيس الكامل، الذي أبان الله به الحق، ودفع به الضلال، وقمع به بدع المبتدعين، وزيغ الزائغين.
ثم قال في (باب الاستواء على العرش) : إن قال قائل: ما تقولون في الاستواء؟
قيل له: نقول: إن الله مستو على عرشه، كما قال الرَّحْمنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوى وقد قال الله إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ [فاطر: ١٠] ، وقال بَلْ رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ [النساء: ١٥٨] ، وقال يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مِنَ السَّماءِ إِلَى الْأَرْضِ ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ [السجدة: ٥] ، وقال حكاية عن فرعون وَقالَ فِرْعَوْنُ يا هامانُ ابْنِ لِي صَرْحاً لَعَلِّي أَبْلُغُ الْأَسْبابَ أَسْبابَ السَّماواتِ فَأَطَّلِعَ إِلى إِلهِ مُوسى وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ كاذِباً