للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

البدع، فذلك ظاهر الجواز وإن كان مع المؤمن جاز بشرط أن يقصد إرشاده إلى الحق، لا إن قصد العلوّ فمحظور. وحكي عن الشافعيّ أنه كان إذا جادل أحدا قال:

اللهم! ألق الحق على لسانه. أفاده بعض الزيدية.

ولما أقام تعالى الأدلة القاهرة على بطلان ما تقوله النصارى، أرشدهم إلى اتباع الحق ومجانبة الغلوّ الباطل، بقوله سبحانه:

[القول في تأويل قوله تعالى: [سورة المائدة (٥) : آية ٧٧]]

قُلْ يا أَهْلَ الْكِتابِ لا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ غَيْرَ الْحَقِّ وَلا تَتَّبِعُوا أَهْواءَ قَوْمٍ قَدْ ضَلُّوا مِنْ قَبْلُ وَأَضَلُّوا كَثِيراً وَضَلُّوا عَنْ سَواءِ السَّبِيلِ (٧٧)

قُلْ يا أَهْلَ الْكِتابِ أي: الذي هو ميزان العدل لا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ غَيْرَ الْحَقِّ أي: لا تتجاوزوا الحد في تعظيم عيسى وأمه، وترفعوهما عن رتبتهما إلى ما تقوّلتم عليهما من العظيمة، فأدخلتم في دينكم اعتقادا غير الحق بلا دليل عليه، مع تظاهر الأدلة على خلافه. ونصب (غير) على أنه صفة لمصدر محذوف، أي: غلوّا غير الحق. يعني غلّوا باطلا. أو حال من ضمير الفاعل أي: مجاوزين الحق. و (الغلو) نقيض التقصير، ومعناه الخروج عن الحد وذلك لأن الحق بين طرفي الإفراط والتفريط، ودين الله بين الغلو والتقصير.

[تنبيه:]

دلت الآية على أن الغلوّ في الدين غلوّان: (غلوّ حق) كأن يفحص عن حقائقه ويفتش عن أباعد معانيه ويجتهد في تحصيل حججه و (غلوّ باطل) وهو أن يتجاوز الحق ويتخطاه بالإعراض عن الأدلة واتباع الشبه.

قال بعض الزيدية: دلت الآية على أن الغلوّ في الدين لا يجوز، وهو المجاوزة للحق إلى الباطل. ومن هذا، الغلوّ في الطهارة مع كثير من الناس، بالزيادة على ما ورد به الشرع لغير موجب. انتهى.

ومن هذا القبيل الغلوّ في تعظيم الصالحين وقبورهم حتى يصيّرها كالأوثان التي كانت تعبد.

وروى «١» الإمام أحمد والنسائيّ وابن ماجة والحاكم عن ابن عباس، أن النبيّ


(١) أخرجه في المسند ١/ ٢١٥، والحديث رقم ١٨٥١.
والنسائي في: مناسك الحج، ٢١٨- باب التقاط الحصى.

<<  <  ج: ص:  >  >>