حرب، خرجت بنو قينقاع مع الخزرج وخرجت النضير وقريظة مع الأوس، يظاهر كل واحد من الفريقين حلفاءه على إخوانه. فيخربون ديارهم ويخرجونهم منها، ويسفكون دماءهم، وبأيديهم التوراة. يعرفون فيها ما عليهم وما لهم. والأوس والخزرج أهل شرك يعبدون الأوثان ولا يعرفون جنة ولا نارا ولا بعثا ولا قيامة، ولا كتابا، ولا حلالا ولا حراما، فإذا وضعت الحرب أوزارها وأسر الرجل من الفريقين كليهما جمعوا له حتى يفدوه، فتفتدي بنو قينقاع ما كان من أسراهم في أيدي الأوس، وتفتدي النضير وقريظة ما كان في أيدي الخزرج منهم. فإذا عيرتهم العرب بذلك وقالوا: كيف تقاتلونهم وتفدونهم؟ قالوا إنا أمرنا أن نفديهم وحرّم علينا قتالهم. فيقال: لم تقاتلونهم؟ قالوا: إنا نستحي أن تستذلّ حلفاؤنا. فلذلك حين عيرهم عز وجل فقال:
أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ أي تفادوهم بحكم التوراة وتقتلونهم.
وفي حكم التوراة أن لا يقتل ولا يخرج من داره ولا يظاهر عليه من يشرك بالله ويعبد الأوثان من دونه، ابتغاء عرض الدنيا. هذا ملخص ما ساقه ابن كثير عن محمد بن إسحاق بسنده إلى ابن عباس. ورواه أيضا عن السدّيّ. فليحقق تصحيح هذه القصة.
وفي الآية تفسير آخر. أي لا تقتلوا أنفسكم لشدة تصيبكم بسكّين أو خنق أو بارتكاب ما يوجب ذلك. كالارتداد والزنى بعد الإحصان. وقتل النفس بغير الحق نحو ذلك. ولا تسيئوا جوار من جاوركم فيضطرون إلى الخروج من دياركم. أو: لا تفسدوا فتكونوا سببا لإخراجكم أنفسكم. والله أعلم.
وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ شروع في بيان بعض آخر من جناياتهم. وتصديره بالجملة القسمية لإظهار كمال الاعتناء به. والمراد بالكتاب التوراة. وَقَفَّيْنا مِنْ بَعْدِهِ بِالرُّسُلِ يقال: قفّاه به أتبعه إياه، من التقفية وهي متابعة شيء شيئا. كأنه يتلو قفاه، وقفا الصورة منها، خلفها المقابل للوجه. والمعنى لم نقتصر على الضبط بالكتاب الذي تركه فيكم موسى، بل أرسلنا من بعده الرسل تترى، ليجددوا لكم أمر الدين ويؤكدوا عليكم العهود. وَآتَيْنا عِيسَى اسم معرّب أصله يسوع. لفظة يونانية بمعنى مخلص. ومثله يشوع، بالمعجمة، في اللغة العبرانية ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّناتِ