وَاللَّهُ أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ أي المزن ماءً فَأَحْيا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها أي بالنبات والزرع، بعد جدبها ويبسها إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَسْمَعُونَ أي هذا التذكير، ويعقلون وجه دلالته وَإِنَّ لَكُمْ فِي الْأَنْعامِ لَعِبْرَةً نُسْقِيكُمْ مِمَّا فِي بُطُونِهِ مِنْ بَيْنِ فَرْثٍ وهو ما في الكرش من الثفل وَدَمٍ لَبَناً خالِصاً سائِغاً لِلشَّارِبِينَ أي سهل المرور في حلقهم.
بيّن تعالى آيته في الأنعام بما ذكر، ليستدل به على وحدانيته وانفراده بالأولوهية. وليستدل به أيضا على الحشر. فإن العشب الذي يأكله الحيوان إنما يتولد من الماء والتراب. فقلب الطين نباتا وعشبا، ثم تبديله دما في جوف الحيوان، ثم تحويله إلى لبن، أعظم عبرة على قدرته تعالى على قلب هذه الأجسام الميتة من صفة إلى صفة. وإنما ذكّر الضمير في بطونه هنا، وأنثه في سورة المؤمنين، لكون الأنعام اسم جمع، فيذكر ويفرد ضميره، باعتبار لفظه. ويؤنث ويجمع باعتبار معناه.
وَمِنْ ثَمَراتِ النَّخِيلِ وَالْأَعْنابِ تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَراً وَرِزْقاً حَسَناً، إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ بيان لآيته تعالى في الثمرات المذكورة، ومنّته في المشروب منها والمطعوم. و (السّكر) مصدر سمي به الخمر. فهو بمعنى السّكر كالرّشد والرّشد.
قال الفراء: السّكر الخمر نفسها. والرزق الحسن الزبيب والتمر وما أشبههما، ولا يقال: الخمر محرمة، فكيف ذكرها الله في معرض الإنعام؟ لأنّ هذه السورة مكية، وتحريم الخمر نزل في سورة المائدة. وكان نزول هذه الآية في الوقت الذي كانت الخمر فيه غير محرمة. وأجاب الرازي بجواب ثان.
وهو: أنه لا حاجة إلى التزام هذا النسخ، وذلك لأنه تعالى ذكر ما في هذه الأشياء من المنافع. وخاطب المشركين بها. والخمر من أشربتهم. فهي منفعة في حقهم.
قال: ثم إنه تعالى نبه في هذه الآية أيضا على تحريمها. وذلك لأنه ميز بينها وبين الرزق الحسن في الذكر، فوجب أن لا يكون السّكر رزقا حسنا. ولا شك أنه