يُضِلُّونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ
لأن وباله عليهم وَما يَضُرُّونَكَ مِنْ شَيْءٍ
لأنك إنما عملت بظاهر الحال وما كان يخطر ببالك أن الحقيقة على خلاف ذلك. ولما أنزل تعالى فصل القضية وجلّاها لرسوله صلى الله عليه وسلم، امتنّ عليه بتأييده إياه في جميع الأحوال بقوله وَأَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْكَ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ
أي: القرآن والسنة وَعَلَّمَكَ
من أمور الدين والشرائع ما لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ
أي: قبل نزول ذلك عليك. كقوله: وَكَذلِكَ أَوْحَيْنا إِلَيْكَ رُوحاً مِنْ أَمْرِنا، ما كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتابُ ... [الشورى: ٥٢] الآية. وقال تعالى: وَما كُنْتَ تَرْجُوا أَنْ يُلْقى إِلَيْكَ الْكِتابُ إِلَّا رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ [القصص: ٨٦] . ولهذا قال تعالى: وَكانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيماً
أي: فيما علمك وأنعم عليك.
قال الرازيّ: هذا من أعظم الدلائل على أن العلم أشرف الفضائل والمناقب.
ثم أشار تعالى إلى ما كانوا يتناجون فيه حين يبيّتون ما لا يرضى من القول. بقوله سبحانه:
[القول في تأويل قوله تعالى: [سورة النساء (٤) : آية ١١٤]]
لا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْواهُمْ إِلاَّ مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ ابْتِغاءَ مَرْضاتِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً (١١٤)
لا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْواهُمْ أي: مساررتهم. والسياق، وإن دل على مناجاة بعض قوم ذلك السارق مع بعض، إلا أنها في المعنى عامة. والمراد: لا خير فيما يتناجى فيه الناس ويخوضون فيه من الحديث. ثم استثنى النجوى في أعمال الخير بقوله سبحانه إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أي: إلا في نجوى من أمر، بخفية عن الحاضرين، بصدقة ليعطيها سرا، يستر به عار المتصدّق عليه أَوْ مَعْرُوفٍ أي: بطاعة الله.
وأعمال البر كلها معروف. وسر التناجي فيه أن لا يأنف المأمور عن قبوله لو جهر به أَوْ إِصْلاحٍ بَيْنَ النَّاسِ يعني الإصلاح بين المتخاصمين ليتراجعا إلى ما كانا فيه من الألفة والاجتماع. على ما أذن الله فيه وأمر به. وسر النجوى فيه أنه لو ظهر أولا ربما لم يتم.
قال المهايميّ: قيل في الحصر: الخير إما نفع جسمانيّ وهو في الأمر بالصدقة.
أو روحانيّ وهو في الأمر بالمعروف. وإما دفع وهو في الإصلاح ويمكن أن يقال:
الخير إما نفع متعد من المأمور وهو الصدقة. أو لازم له وهو المعروف. أو دفع ضرر