أشخاصها وأنواعها ... وغير ذلك مما وضعت له العلوم. وتسابقت في الوصل إلى دقائقه الفهوم. فإن ذلك كله من وسائل الكسب وتحصيل طرق الراحة. هدى الله إليه البشر بما أودع فيهم من الإدراك. يزيد في سعادة المخلصين، ويقضي فيه بالنكد على المقصّرين. ولكن كانت سنة الله في ذلك، أن يتبع طريقة التدرج في الكمال. وقد جاءت شرائع الأنبياء بما يحمل على الإجماع بالسعي فيه، وما يكفل التزامه بالوصول إلى ما أعد الله له الفطر الإنسانية من مراتب الارتقاء.
أما ما ورد في كلام الأنبياء من الإشارة إلى شيء مما ذكرنا في أحوال الأفلاك أو هيئة الأرض- فإنما يقصد منه، النظر إلى ما فيه من الدلالة على حكمة مبدعه، أو توجيه الفكر إلى الغوص لإدراك أسراره وبدائعه. وحالهم، عليهم الصلاة والسلام، في مخاطبة أممهم، لا يجوز أن تكون فوق ما يفهمون. وإلا ضاعت الحكمة في إرسالهم. ولهذا قد يأتي التعبير الذي سيق إلى العامة، بما يحتاج إلى التأويل والتفسير عند الخاصة. وكذلك ما وجه إلى الخاصة، يحتاج إلى الزمان الطويل حتى يفهمه العامة. وهذا القسم أقل ما ورد في كلامهم. على كل حال، لا يجوز أن يقام الدين حاجزا بين الأرواح، وبين ما ميزها الله به من الاستعداد للعلم بحقائق الكائنات الممكنة بقدر الإمكان. بل يجب أن يكون الدين باعثا لها على طلب العرفان. مطالبا لها باحترام البرهان. فارضا عليها أن تبذل ما تستطيع من الجهد في معرفة ما بين يديه من العوالم. ولكن مع التزام القصد، والوقوف في سلامة الاعتقاد عند الحد.
ومن قال غير ذلك فقد جهل الدين، وجنى عليه جناية لا يغفرها له رب الدين.
انتهى.
ولما تضمن قوله تعالى: إِنَّا أَوْحَيْنا إِلَيْكَ ... الآية، إثبات نبوته والاحتجاج على تعنتهم عليه، بسؤال كتاب نزل عليهم من السماء، كأنه قيل: إنهم لا يشهدون بذلك.
[القول في تأويل قوله تعالى: [سورة النساء (٤) : آية ١٦٦]]
لكِنِ اللَّهُ يَشْهَدُ بِما أَنْزَلَ إِلَيْكَ من القرآن المعجز الناطق بنبوتك. قال الزمخشريّ: معنى شهادة الله بما أنزل إليه، إثباته لصحته، بإظهار المعجزات. كما