للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أسباب التهيؤ للضيافة بمرأى منهم، فلذلك مدحه الله تعالى على لسان رسوله صلّى الله عليه وسلّم بهذه الخلة الجميلة، والآداب الجليلة، فقال تعالى: فَراغَ إِلى أَهْلِهِ فَجاءَ بِعِجْلٍ سَمِينٍ [الذاريات: ٢٦] أي ذهب على خفاء منهم، كيلا يشعروا به. والمهتم بأمر ضيفه بمرأى منه، ربما يعدّ كالمستأذن له في الضيافة، فهذا من الآداب التي ينبغي أن يتمسك بها ذوو المروءة، وأولو القوة. وأشد من الاستئذان في الخروج للجهاد ونصرة الدين، والتثاقل عن المبادرة إليه، بعد الحض عليه والمناداة. وأسوأ أحوال المتثاقل، وقد دعي الناس إلى الغزاة، أن يكون متمسكا بشعبة من النفاق. نعوذ بالله من التعرض لسخطه.

ثم بيّن تعالى جلية شأن أولئك المنافقين المستأذنين، بأنهم لم يريدوا الخروج للجهاد حقيقة، ولذلك خذلهم، فقال سبحانه:

[القول في تأويل قوله تعالى: [سورة التوبة (٩) : آية ٤٦]]

وَلَوْ أَرادُوا الْخُرُوجَ لَأَعَدُّوا لَهُ عُدَّةً وَلكِنْ كَرِهَ اللَّهُ انْبِعاثَهُمْ فَثَبَّطَهُمْ وَقِيلَ اقْعُدُوا مَعَ الْقاعِدِينَ (٤٦)

وَلَوْ أَرادُوا الْخُرُوجَ لَأَعَدُّوا لَهُ عُدَّةً بضم العين وتشديد الدال، أي قوّة من مال وسلاح وزاد، ونحوها وَلكِنْ كَرِهَ اللَّهُ انْبِعاثَهُمْ أي نهوضهم للخروج فَثَبَّطَهُمْ أي فكسّلهم وضعّف رغبتهم وَقِيلَ اقْعُدُوا مَعَ الْقاعِدِينَ أي من النساء والصبيان.

[تنبيهات:]

الأول- دل قوله تعالى: لَأَعَدُّوا لَهُ عُدَّةً على أن عدة الحرب من الكراع والسلاح وجميع ما يستعان به على العدوّ، من جملة الجهاد. فما صرف في المجاهدين، صرف في ذلك. وهذا جلّي فيما يتقى به من العدة كالسلاح. فأما ما يحصل به الإرهاب من الرايات والطبول ونحو ذلك، مما يضعف به قلب العدوّ، فهو داخل في الجهاد. وقد قال تعالى في سورة الأنفال: وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِباطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ [الأنفال: ٦٠] . ويكون ذلك كلباس الحرير حالة الحرب، وهذا جليّ حيث لا يؤدّي إلى السرف.

الثاني- إن الفعل يحسن بالنية، ويقبح بالنية، وإن استويا في الصورة. لأن النفير واجب مع نية النصر، وقبيح مع إرادة تحصيل القبيح. وذلك لأنه تعالى أخبر أنه كره انبعاثهم لما يحصل منه من إرادة المكر بالمسلمين.

<<  <  ج: ص:  >  >>