وقد روى العوفيّ وعليّ بن أبي طلحة الوالبيّ عن ابن عباس: أن هذه الآية نزلت في اليهوديين اللذين زنيا، كما تقدمت الأحاديث بذلك، وقد يكون اجتمع هذان السببان في وقت واحد. فنزلت هذه الآيات في ذلك كله، والله أعلم. انتهى كلام ابن كثير.
وقد أسلفنا في (المقدمة) في بحث سبب النزول، ما يزيل الإشكال في تعدد السبب. فتذكر. ومما يقوي أن سبب النزول قضية القصاص- كما قال ابن كثير- قوله تعالى بعد ذلك:
وَكَتَبْنا عَلَيْهِمْ فِيها أي: فرضنا على اليهود في التوراة أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ.
أي: مقتولة بها إذا قتلتها بغير حق وَالْعَيْنَ مفقوءة بِالْعَيْنِ وَالْأَنْفَ مجدوع بِالْأَنْفِ وَالْأُذُنَ مقطوعة بِالْأُذُنِ وَالسِّنَّ مقلوعة بِالسِّنِّ وَالْجُرُوحَ قِصاصٌ أي:
ذات قصاص، أي: يقتص فيها إذا أمكن. كاليد والرجل والذكر ونحو ذلك وإلا- ككسر عظم وجرح لحم مما لا يمكن الوقوف على نهايته- فلا قصاص، بل فيه حكومة عدل.
[تنبيهات:]
الأول: هذه الآية مما وبّخت به اليهود أيضا وقرّعت عليه. فإن عندهم في نص التوراة أن النفس بالنفس، وقد خالفوا حكم ذلك عمدا وعنادا. فأقادوا النضريّ من القرظيّ، ولم يقيدوا القرظيّ من النضريّ. وعدلوا إلى الدية كما خالفوا حكم التوراة في رجم الزاني المحصن، وعدلوا إلى ما اصطلحوا عليه من الجلد والتحميم والإشهار، ولهذا قال هناك: وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولئِكَ هُمُ الْكافِرُونَ، لأنهم جحدوا حكم الله قصدا منهم وعنادا وعمدا. وقال هاهنا- في تتمة الآية فَأُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ لأنهم لم ينصفوا المظلوم من الظالم في الأمر الذي أمر الله بالعدل والتسوية بين الجميع فيه. فخالفوا وظلموا، وتعدوا على بعضهم بعضا- أفاده ابن كثير.