للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الثاني- قوله تعالى: وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ والمعطوفات بعده، كلها قرئت منصوبة ومرفوعة، والرفع للعطف على محل أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ لأن المعنى: وكتبنا عليهم النفس بالنفس، إما لإجراء (كتبنا) مجرى (قلنا) وإما لأن معنى الجملة التي هي قولك (النّفس بالنّفس) مما يقع عليه (الكتب) كما تقع عليه (القراءة) ، تقول:

كتبت الحمد لله، وقرأت سورة أنزلناها. ولذلك قال الزجاج: لو قرئ أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ بالكسر لكان صحيحا. كذا في (الكشاف) . وقد توسع الخفاجيّ في (العناية) في بحث الرفع- هنا- على عادته في النحويات فانظره إن شئت.

روى الإمام أحمد وأبو داود والترمذيّ «١» والحاكم عن أنس بن مالك: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قرأ وَكَتَبْنا عَلَيْهِمْ فِيها أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ نصب النفس ورفع العين، قال الترمذيّ: حسن غريب. وقال البخاريّ: تفرد ابن المبارك بهذا الحديث.

الثالث: استدل كثير ممن ذهب من الأصوليين والفقهاء إلى أن شرع من قبلنا شرع لنا- إذا حكي مقررا ولم ينسخ كما هو المشهور عن الجمهور، وكما حكاه الشيخ أبو إسحاق الأسفرايينيّ عن نص الشافعيّ وأكثر أصحابه- بهذه الآية. حيث كان الحكم عندنا على وفقها في الجنايات عند جميع الأئمة. وقال الحسن البصريّ: هي عليهم وعلى الناس عامة. رواه ابن أبي حاتم. وقد حكى الإمام أبو منصور بن الصباغ في كتابه (الشامل) اجتماع العلماء على الاحتجاج بهذه الآية على ما دلت عليه.

الرابع: قال ابن كثير: احتج الأئمة كلهم على أن الرجل يقتل بالمرأة. بعموم هذه الآية الكريمة. وكذا

ورد في الحديث الذي رواه النسائي وغيره أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كتب في كتاب عمرو بن حزم «٢» : أن الرجل يقتل بالمرأة.

وفي الحديث الآخر «٣» : المسلمون تتكافأ دماؤهم

. وهذا قول جمهور العلماء.


(١) أخرجه الترمذي في: القراءات، ١- حدثنا علي بن حجر. [.....]
(٢) أخرجه الإمام مالك في الموطأ: الأمر بالوضوء لمن مس القرآن، الحديث رقم ١.
(٣) أخرجه أبو داود في: الديات، ١١- باب أيقاد المسلم بالكافر، حديث رقم ٤٥٣٠ ونصه: عن قيس بن عباد قال: انطلقت أنا والأشتر إلى علي عليه السلام. قلنا: هل عهد إليك رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئا لم يعهده إلى الناس عامة؟ قال: لا. إلا ما في كتابي هذا. قال، فأخرج كتابا من قراب سيفه، فإذا فيه: «المؤمنون تكافأ دماؤهم، وهم يد على من سواهم، ويسعى بذمتهم أدناهم، ألا لا يقتل مؤمن بكافر، ولا ذو عهد في عهده، من أحدث حدثا فعلى نفسه. ومن أحدث حدثا أو آوى محدثا فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين» .

<<  <  ج: ص:  >  >>