للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثلاثا وثلاثين.

وقد روى ابن جرير هاهنا حديث عباس بن مرداس السلمي في استغفاره صلّى الله عليه وسلّم لأمته عشية عرفة.

[القول في تأويل قوله تعالى: [سورة البقرة (٢) : آية ٢٠٠]]

فَإِذا قَضَيْتُمْ مَناسِكَكُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَذِكْرِكُمْ آباءَكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْراً فَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ رَبَّنا آتِنا فِي الدُّنْيا وَما لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلاقٍ (٢٠٠)

فَإِذا قَضَيْتُمْ مَناسِكَكُمْ أي: فرغتم من أعمال الحجّ ونفرتم فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَذِكْرِكُمْ آباءَكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْراً أي: فأكثروا ذكر الله، وابذلوا جهدكم في الثناء عليه وشرح آلائه ونعمائه، كما تفعلون في ذكر آبائكم ومفاخرهم وأيامهم بعد قضاء مناسككم. وقد أخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس قال: كان أهل الجاهلية يقفون في الموسم فيقول الرجل منهم: كان أبي يطعم ويحمل الحمالات ويحمل الديات..!

ليس لهم ذكر غير فعال آبائهم، فأنزل هذه الآية. وفيها إشعار بتحويل القوم عما اعتادوه، وحث على إفراد ذكره جل شأنه.

ثم أرشد تعالى إلى دعائه- بعد كثرة ذكره- فإنه مظنة الإجابة. وذمّ من لا يسأله إلّا في أمر دنياه وهو معرض على أخراه، فقال فَمِنَ النَّاسِ أي: الذين نسوا قدر الآخرة وكانت الدنيا أكبر همّهم مَنْ يَقُولُ أي: في ذكره رَبَّنا آتِنا أي:

مرغوباتنا فِي الدُّنْيا لا نطلب غيرها وَما لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلاقٍ أي: نصيب وحظ لأنه استوفى نصيبه في الدنيا بتخصيص دعائه به. فالجملة إخبار منه تعالى ببيان حاله في الآخرة أو المعنى: ما له في الآخرة من طلب خلاق. فهو بيان لحاله في الدنيا وتصريح بما علم ضمنا من قوله: آتِنا فِي الدُّنْيا أو تأكيد لكون همه مقصورا على الدنيا. وقوله فِي الْآخِرَةِ حينئذ متعلّق ب خَلاقٍ حال منه وتضمن هذا الذمّ والتنفير عن التشبه بمن هو كذلك.

قال سعيد بن جبير عن ابن عباس: كان قوم من الأعراب يجيئون إلى الموقف فيقولون: اللهمّ! اجعله عام غيث وعام خصب وعام ولاد حسن.! لا يذكرون من أمر الآخرة شيئا فنزل فيهم ذلك.

وهؤلاء الذين حكى الله عنهم- أنهم يقتصرون في الدعاء على طلب الدنيا- قال قوم: هو مشركو العرب. وكونهم لا خلاق لهم في الآخرة ظاهر. إذ لا نصيب لهم فيها من كرامة ونعيم وثواب. وقال قوم: هؤلاء قد يكونون مؤمنين ولكنهم يسألون

<<  <  ج: ص:  >  >>