كفره مع إحسان الله إليه وأياديه عنده. والآخر ما الذي أكفره، أي أيّ شيء أكفره.
وعلى الثانية، فالهمزة للتصيير ك (أغدّ البعير) .
الثالثة: قال الزمخشري في هذه الآية: ولا ترى أسلوبا أغلظ منه ولا أخشن منتنا ولا أدل على سخط ولا أبعد شوطا في المذمة. مع تقارب طرفيه ولا أجمع للأئمة، على قصر متنه. وسره ما أشار له الرازيّ من أن قوله: قُتِلَ الْإِنْسانُ تنبيه على أنهم استحقوا أعظم أنواع العقاب. وقوله: ما أَكْفَرَهُ تنبيه على أنهم اتصفوا بأعظم أنواع القبائح والمنكرات.
الرابعة: أفاد في (الكشف) أن الدعاء ليس على حقيقته، لامتناعه منه تعالى، لأن منشأه العجز، فالمراد به إظهار السخط باعتبار جزئه الأول، وشدة الذم باعتبار جزئه الثاني. أي لاستحالة التعجب بمعناه المعروف أيضا. وقوله تعالى:
القول في تأويل قوله تعالى: [سورة عبس (٨٠) : الآيات ١٨ الى ٢١]
مِنْ أَيِّ شَيْءٍ خَلَقَهُ شروع في بيان إفراطه في الكفر، بتفصيل ما أفاض عليه من مبدأ فطرته إلى منتهى عمره، من فنون النعم الموجب لقضاء حقها بالشكر والطاعة، مع إخلاله بذلك. وفي الاستفهام عن مبدأ خلقه، ثم بيانه بقوله تعالى:
مِنْ نُطْفَةٍ خَلَقَهُ تحقير له. أي من أي شيء حقير مهين خلقه؟ من نطفة مذرة خلقه فَقَدَّرَهُ أي فهيأه لما يصلح له ويليق به من الأعضاء والأشكال. أو فقدّره أطوارا إلى أن تم خلقه ثُمَّ السَّبِيلَ يَسَّرَهُ أي سهله. وهو مخرجه من رحم أمّه بعد اجتنانه وتعاصيه. أو سبيل الإسلام.
قال ابن زيد هداه للإسلام الذي يسره له وأعلمه به. أي بما غرز في فطرته من الخير، وأودع في غريزته من وجدان معرفة الخالق. وقال مجاهد: يعني سبيل الشقاء والسعادة وهو كقوله: إِنَّا هَدَيْناهُ السَّبِيلَ [الإنسان: ٣] ، واختاره أبو مسلم قال:
المراد من هذه الآية هو المراد من قوله: وَهَدَيْناهُ النَّجْدَيْنِ [البلد: ١٠] ، فهو يتناول التمييز بين كل خير وشر يتعلق بالدنيا، وبين كل خير وشر يتعلق بالدين. أي جعلناه متمكنا من سلوك سبيل الخير والشر. والتيسير يدخل فيه الإقدار والتعريف والعقل وبعثة الأنبياء وإنزال الكتب. نقله الرازيّ. ثُمَّ أَماتَهُ فَأَقْبَرَهُ أي جعله ذا قبر يوارى فيه. تكرمة له، ولم يجعله مطروحا على وجه الأرض للطير والسباع، كالحيوان.