وقال الرازي: لما حكى تعالى من عظم ما هم عليه من التكذيب، أنهم يستهزءون باستعجال العذاب، بيّن أن العاقل لا ينبغي أن يستعجل عذاب الآخرة فقال: وَإِنَّ يَوْماً عِنْدَ رَبِّكَ يعني فيما ينالهم من العذاب وشدته كَأَلْفِ سَنَةٍ لو عدّ في كثرة الآلام وشدتها. فبيّن سبحانه أنهم لو عرفوا حال عذاب الآخرة، وأنه بهذا الوصف لما استعجلوه.
قال الرازي: وهذا قول أبي مسلم، وهو أولى الوجوه. انتهى.
وقد حكاه الزمخشريّ بقوله: وقيل معناه: كيف يستعجلون بعذاب من يوم واحد من أيام عذابه، في طول ألف سنة من سنيكم. لأن أيام الشدائد مستطالة، أي تعدّ طويلة كما قيل:
تمتع بأيام السرور فإنّها ... قصار. وأيام الهموم طوال
أو كان ذلك اليوم الواحد، لشدة عذابه، كألف سنة من سني العذاب. انتهى.
واعتمد الوجه الأول أبو السعود. وناقش فيما بعده بأنه لا يساعده سياق النظم الجليل ولا سياقه. فإن كلا منهما ناطق بأن المراد هو العذاب الدنيوي. وأن الزمان الممتد هو الذي مرّ عليهم قبل حلوله بطريق الإملاء والإمهال. لا الزمان المقارن له.
ألا يرى إلى قوله تعالى: وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ إلخ، فإنه صريح في أن المراد هو الأخذ العاجل الشديد، بعد الإملاء المديد. انتهى. وفيه قوة. فالله أعلم.
القول في تأويل قوله تعالى: [سورة الحج (٢٢) : الآيات ٤٩ الى ٥١]
قُلْ يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّما أَنَا لَكُمْ نَذِيرٌ مُبِينٌ فَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ وهي الجنة وَالَّذِينَ سَعَوْا فِي آياتِنا مُعاجِزِينَ أُولئِكَ أَصْحابُ الْجَحِيمِ أي والذين سعوا في ردّ آياتنا، وصدّ الناس عنها مشاقّين. فالمعاجزة مستعارة للمشاقة مع المؤمنين ومعارضتهم. فكلما طلبوا إظهار الحق طلب هؤلاء إبطاله. كما يقال (جاراه في كذا) . قال تعالى أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئاتِ أَنْ يَسْبِقُونا [العنكبوت: ٤] ، وقرئ (معجّزين) بتشديد الجيم. بمعنى أنهم عجّزوا الناس