للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أي: حين اجترءوا على التفوه بهذه الجملة الشنعاء، وذلك منهم مبالغة في إنكار إنزال القرآن على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فألزموا بما لا سبيل لهم إلى إنكاره أصلا، حيث قيل في جواب سلبهم العام، بإثبات قضية جزئية بديهية التسليم:

قُلْ مَنْ أَنْزَلَ الْكِتابَ الَّذِي جاءَ بِهِ مُوسى نُوراً حال من الضمير في بِهِ أو من الْكِتابَ، وَهُدىً لِلنَّاسِ أي: ضياء من ظلمة الجهالة، وبيانا يفرق بين الحق والباطل، تَجْعَلُونَهُ قَراطِيسَ تُبْدُونَها: يجزئونه أوراقا يبدونها للناس مما ينتخبونه.

أي: فكيف ينكر إنزال شيء، وهذا المنزل المذكور ظاهر للعيان. والعدول عن التوراة إلى ذكر الكتاب وصفته، والحال بعده- لزيادة التقريع، وتشديد التبكيت، وإلقام الحجر. وَتُخْفُونَ كَثِيراً معطوف على (تبدونها) ، والعائد محذوف. أي: كثيرا منها. أو كلام مبتدأ لا محل له من الإعراب. أي: وهم يخفون كثيرا. أي: ومع ذلك فالإلزام يكفي بما يبدونه، المعترف لديهم بحقيّته. وفيه نعي على أهل الكتاب بسوء صنيعهم المذكور، إذ ما يريدون بإخفاء كثير منها إلا تبديل الدين.

وَعُلِّمْتُمْ أي: على لسان محمد صلى الله عليه وسلم ما لَمْ تَعْلَمُوا أَنْتُمْ وَلا آباؤُكُمْ من المعارف التي لا يرتاب في أنها تنزيل ربانيّ، قُلِ اللَّهُ أي: أنزله الله، أو الله أنزله.

أمره بأنه يجيب عنهم، إشعارا بأن الجواب متعين لا يمكن غيره، وتنبيها على أنهم بهتوا، بحيث إنهم لا يقدرون على الجواب.

ثُمَّ بعد التبليغ وإلزام الحجة ذَرْهُمْ فِي خَوْضِهِمْ أي: في باطلهم يَلْعَبُونَ أي: يفعلون فعل اللاعب، وهو ما لا يجرّ لهم نفعا، ولا يدفع عنهم ضررا، مع تضييع الزمان.

[تنبيه:]

في هذه الآية قولان:

الأول- أنها مكية النزول تبعا للسورة، وأن القائل ذلك هم المشركون، وإلزامهم إنزال التوراة، لما أنه كان عندهم من المشاهير الذائعة، وهذا هو الظاهر.

قال ابن كثير: قال ابن عباس «١» ، ومجاهد «٢» وعبد بن كثير: هذه الآية نزلت في قريش، واختاره ابن جرير. قال ابن كثير: وهو الأصح، لأن اليهود لا ينكرون إنزال


(١) الأثر رقم ١٣٥٤٢ من التفسير.
(٢) الأثر رقم ١٣٥٤١ من التفسير. وصوابه: عبد الله بن كثير أنه سمع مجاهدا.

<<  <  ج: ص:  >  >>