قال القتيبيّ: هذا من الاختصار. ومعناه: بعث غرابا يبحث التراب على غراب ميت. وكذا رواه السدّيّ عن الصحابة أنه تعالى بعث غرابين اقتتلا. فقتل أحدهما الآخر. فحفر له. ثم حتى عليه حثيا.
لِيُرِيَهُ الضمير المستكن إمّا لله تعالى أو للغراب. والظاهر، للقاتل أخاه كَيْفَ يُوارِي أي: يستر في التراب سَوْأَةَ أَخِيهِ أي: جسده الميت. وسمّي سوأة لأنه مما يسوء ناظره قالَ يا وَيْلَتى كلمة جزع وتحسّر، والألف فيها بدل من ياء المتكلم. والويل والويلة الهلكة أَعَجَزْتُ أي: أضعفت عن الحيلة أَنْ أَكُونَ مِثْلَ هذَا الْغُرابِ أي: الذي هو من أخسّ الحيوانات. والاستفهام للتعجب من عدم اهتدائه إلى ما اهتدى إليه الغراب فَأُوارِيَ أي: أغطي سَوْأَةَ أَخِي فَأَصْبَحَ أي:
صار مِنَ النَّادِمِينَ أي: على حيرته في مواراته حيث لم يدفنه حين قتله. فصار أجهل من الحيوانات العجم وأضلّ منها وأدنى.
وفي (التنوير) : ولم يكن نادما على قتله.
وقال أبو الليث عن ابن عباس: لو كانت ندامته على قتله لكانت الندامة توبة منه.
[تنبيهات:]
الأول: ظاهر الآية أنه ما كان يعلم كيف يدفن المقتول، وأنه تعلم ذلك من الغراب. ولا مانع من ذلك. إذ مثله مما يجوز خفاؤه. لا سيما والعالم، في أول طور النشأة، وأنه أول قتيل، فيكون أول ميت.
ونقل الرازي احتمال أن يكون عالما بكيفية دفنه، قال: فإنه يبعد في الإنسان أن لا يهتدي إلى هذا القدر من العمل، إلا أنه لما قتله تركه بالعراء استخفافا به، ولما رأى الغراب يدفن الغراب الآخر، رق قلبه ولم يرض أن يكون أقل شفقة منه. فواراه تحت الأرض، والله أعلم.