المبنيّين على توهم عدم استحقاق المحسود لما أوتي من الفضل ببيان استحقاقه له بطريق الوراثة كابرا عن كابر. وإجراء الكلام على سنن الكبرياء بطريق الالتفات لإظهار كمال العناية بالأمر. والمعنى: أن حسدهم المذكور في غاية القبح والبطلان. فإنا قد آتينا من قبل هذا آلَ إِبْراهِيمَ الذين هم أسلاف محمد صلى الله عليه وسلم وأبناء أعمامه الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ النبوة وَآتَيْناهُمْ مُلْكاً عَظِيماً لا يقادر قدره. فكيف يستبعدون نبوته ويحسدونه على إيتائها؟ أفاده أبو السعود.
قال الرازيّ: إن الحسد لا يحصل إلا عند الفضيلة. فكلما كانت فضيلة الإنسان أتم وأكمل كان حسد الحاسدين عليه أعظم. ومعلوم أن النبوة أعظم المناصب في الدين. ثم إنه تعالى أعطاها لمحمد صلى الله عليه وسلم وضم إليها أنه جعله كل يوم أقوى دولة وأعظم شوكة وأكثر أنصارا وأعوانا. فلما كانت هذه النعم سببا لحسد هؤلاء، بيّن تعالى ما يدفع ذلك فقال: فَقَدْ آتَيْنا آلَ إِبْراهِيمَ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْناهُمْ مُلْكاً عَظِيماً. والمعنى: أنه حصل في أولاد إبراهيم جماعة كثيرون جمعوا بين النبوة والملك وأنتم لا تتعجبون من ذلك ولا تحسدونهم. فلم تتعجبون من حال محمد صلى الله عليه وسلم ولم تحسدونه؟
[القول في تأويل قوله تعالى: [سورة النساء (٤) : آية ٥٥]]
فَمِنْهُمْ مَنْ آمَنَ بِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ صَدَّ عَنْهُ حكاية لما صدر عن أسلافهم. أي:
فمن جنس هؤلاء الحاسدين وآبائهم من آمن بما أوتي آل إبراهيم. ومنهم من كفر به وأعرض عنه وسعى في صد الناس عنه. وهو منهم ومن جنسهم. أي من بني إسرائيل.
وقد اختلفوا عليهم. فكيف بك يا محمد ولست من بني إسرائيل؟ فالكفرة منهم أشد تكذيبا لك وأبعد عما جئتهم به من الهدى والحق المبين. وفيه تسلية لرسول الله صلى الله عليه وسلم وأن ذلك ديدنهم المستمر وَكَفى بِجَهَنَّمَ سَعِيراً أي نارا مسعّرة يعذبون بها على كفرهم وعنادهم ومخالفتهم كتب الله ورسله. ثم أخبر تعالى عما يعاقب به في نار جهنم من كفر بآياته وصدّ عن رسله فقال:
[القول في تأويل قوله تعالى: [سورة النساء (٤) : آية ٥٦]]