قال الرازيّ: أصل هذه الكلمة من الانقياد. قال الله تعالى: إِذْ قالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ قالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعالَمِينَ [البقرة: ١٣١] . والإسلام إنما سمّي إسلاما لهذا المعنى. وغلب اسم السلم على الصلح وترك الحرب. وهذا أيضا راجع إلى هذا المعنى. لأن عند الصلح ينقاد كل واحد لصاحبه ولا ينازعه فيه.
ومعنى الآية: ادخلوا في الاستسلام والطاعة. أي: استسلموا لله وأطيعوه ولا تخرجوا عن شيء من شرائعه كَافَّةً حال من الضمير في (ادخلوا) وَلا تَتَّبِعُوا خُطُواتِ الشَّيْطانِ أي: طرقه التي يأمركم بها ف: إِنَّما يَأْمُرُكُمْ بِالسُّوءِ وَالْفَحْشاءِ وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ ما لا تَعْلَمُونَ [البقرة: ١٦٩] و: إِنَّما يَدْعُوا حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحابِ السَّعِيرِ [فاطر: ٦] وضمّ الطاء من (خطوات) وإسكانها لغتان:
حجازية وتميمية. وقد قرئ بهما في السبع. إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ. ظاهر العداوة أو مظهر لها. أي: بما أخبرناكم به في أمر أبيكم آدم عليه السلام وغيره، مما شواهده ظاهرة.
فَإِنْ زَلَلْتُمْ أي: عن الدخول في السلم مِنْ بَعْدِ ما جاءَتْكُمُ الْبَيِّناتُ أي:
الآيات الظاهرة على أنّ ما دعيتم إلى الدخول فيه هو الحقّ فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غالب لا يعجزه الانتقام ممّن زلّ ولا يفوته من ضلّ حَكِيمٌ لا ينتقم إلّا بحقّ.
وقوله فَاعْلَمُوا ... إلخ نهاية في الوعيد. لأنه يجمع من ضروب الخوف ما لا يجمعه الوعيد بذكر العقاب. وربّما قال الوالد لولده: إن عصيتني فأنت عارف بي وأنت تعلم قدرتي عليك وشدة سطوتي. فيكون هذا الكلام- في الزجر- أبلغ من ذكر الضرب وغيره. فظهر تسبب الجزاء في الآية بما أشعر به من الزجر والتهديد على الشرط المشير إلى ذنبهم وجرمهم.
هذا، ومن الوجوه المحتملة في الآية، أن يكون (السلم) المذكور فيها معناه الصلح والمسالمة وترك المنازعة والاختلاف. فمعنى ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كونوا متوافقين ومجتمعين في نصرة الدين، ولا تتبعوا خطوات الشيطان بأن يحملكم على طلب الدنيا والمنازعة مع الناس. فتكون الآية حينئذ كقوله تعالى: وَلا تَنازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ [الأنفال: ٤٦] ، وقوله: وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً