كان الظاهر عطف (لا يستقدمون) على (لا يستأخرون) كما أعربه الحوفيّ وغيره، أورد عليه أنه فاسد، لأن (إذا) إنما يترتب عليها الأمور المستقبلة لا الماضية، والاستقدام حينئذ بالنسبة إلى محلّ الأجل متقدم عليه، فكيف يترتب عليه ما تقدمه؟ ويصير باب الإخبار بالضروري الذي لا فائدة فيه، كقولك: إذا قمت فيما يأتي، لم يتقدم قيامك فيما مضى. وأجيب بأن المراد بالمجيء الدنوّ، بحيث يمكن التقدم في الجملة، كمجيء اليوم الذي ضرب لهلاكهم ساعة فيه. وقيل: إن جملة لا يَسْتَقْدِمُونَ مستأنفة. وقيل: إنها معطوفة على الشرط وجوابه، أو على القيد والمقيّد. أو أن مجموع (لا يستأخرون ولا يستقدمون) كناية عن أنهم لا يستطيعون تغييره. والتحقيق أنه عطف على يَسْتَأْخِرُونَ لكن لا لبيان انتفاء التقدم، مع إمكانه في نفسه كالتأخر، كما يتوهم، بل للمبالغة في انتفاء التأخر. يعني أن التأخر مساو للتقدم في الاستحالة، ولذا نظمه معه في سلك، كما في قوله سبحانه وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئاتِ حَتَّى إِذا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قالَ إِنِّي تُبْتُ الْآنَ وَلَا الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ [النساء: ١٨] فإن من مات كافرا مع ظهور أن لا توبة له رأسا، قد نظم في عدم القبول، في سلك من سوّفها إلى حضور الموت. إيذانا بتساوي وجود التوبة حينئذ وعدمها بالمرة.
٢- تقديم بيان انتفاء الاستئخار، لما أن المقصود بالذات بيان عدم خلاصهم من العذاب. وأما (ما) في قوله تعالى: ما تَسْبِقُ مِنْ أُمَّةٍ أَجَلَها وَما يَسْتَأْخِرُونَ [الحجر: ٥] من سبق (السبق) في الذكر، فلما أن المراد هناك بيان سر تأخير إهلاكهم مع استحقاقهم له، حسبما ينبئ عنه قوله تعالى: ذَرْهُمْ يَأْكُلُوا وَيَتَمَتَّعُوا وَيُلْهِهِمُ الْأَمَلُ، فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ [المؤمنون: ٤٣] . فالأهم هناك بيان انتفاء السبق.
٣- صيغة الاستفعال للإشعار بعجزهم وحرمانهم عن ذلك، مع طلبهم له، أفاده أبو السعود.
ثم أنذر تعالى بني آدم بأنه سيبعث إليهم رسلا يهدونهم، وبشّر وأنذر بقوله سبحانه: