وأشار الناصر إلى جوابه بأن في تنكير ظاهِراً تقليلا لمعلومهم. وتقليله يقربه من النفي. فيطابق المبدل منه.
أقول: التقليل هو الوحدة المشار لها بقول الزمخشريّ (وفي تنكير الظاهر أنهم لا يعلمون إلا ظاهرا واحدا، من جملة الظواهر) .
أما قول أبي السعود: وتنكير ظاهِراً للتحقير والتخسيس دون الوحدة كما توهم، فغفلة عن مشاركتها للتعليل الذي به يطابق البدل المبدل منه. فافهم.
ثم أنكر عليهم قصر نظرهم على ما ذكر من ظاهر الحياة الدنيا، مع الغفلة عن الآخرة بقوله أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا فِي أَنْفُسِهِمْ أي يحدثوا التفكر في أنفسهم، الفارغة من الفكر والتفكر. فالمجرور ظرف للتفكر، ذكره لزيادة التصوير. إذ الفكر لا يكون إلا في النفس. والتفكر لا متعلق له، لتنزيله منزلة اللازم. وجوز كون المجرور مفعول (يتفكروا) لأنه يتعدى ب (في) أي: أو لم يتفكروا في أمر أنفسهم. فالمعنى حثهم على النظر في ذواتهم وما اشتملت عليه من بديع الصنع، وقوله تعالى: ما خَلَقَ اللَّهُ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما إِلَّا بِالْحَقِّ متعلق بقول أو علم، يدل عليه السياق. أي:
ألم يتفكروا فيقولوا أو فيعلموا. وقال السمين:(ما) نافية. وفي هذه الجملة وجهان:
أحدهما- أنها مستأنفة لا تعلق لها بما قبلها. والثاني- أنها معلقة للتفكر. فيكون في محل نصب على إسقاط الخافض. انتهى. والباء في قوله بِالْحَقِّ للملابسة. أي ما خلقها باطلا ولا عبثا بغير حكمة بالغة، ولا لتبقى خالدة. وإنما خلقها مقرونة بالحق، مصحوبة بالحق وَأَجَلٍ مُسَمًّى أي وبتقدير أجل مسمى، لا بدّ لها من أن تنتهي إليه. وهو قيام الساعة ووقت الحساب والثواب والعقاب. ولذا عطف عليه قوله: وَإِنَّ كَثِيراً مِنَ النَّاسِ بِلِقاءِ رَبِّهِمْ لَكافِرُونَ.
القول في تأويل قوله تعالى: [سورة الروم (٣٠) : الآيات ٩ الى ١٢]