أَكانَ لِلنَّاسِ عَجَباً أَنْ أَوْحَيْنا إِلى رَجُلٍ مِنْهُمْ أَنْ أَنْذِرِ النَّاسَ وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا أَنَّ لَهُمْ قَدَمَ صِدْقٍ عِنْدَ رَبِّهِمْ الهمزة لإنكار التعجب والتعجيب منه، وإنما أنكر ذلك لكون سنة الله جارية أبدا على هذا الأسلوب في الإيحاء إلى الرجال، وإنما كان تعجبهم لبعدهم عن مقامه، وعدم مناسبة حالهم لحاله، ومنافاة ما جاء به لما اعتقدوه و «القدم» بمعنى السبق مجازا، لكونه سببه وآلته، كما تطلق «اليد» على النعمة، و «العين» على الجاسوس، و «الرأس» على الرئيس. ثم إن السبق مجاز عن الفضل والتقدم المعنويّ إلى المنازل الرفيعة، فهو مجاز بمرتبتين أو «القدم» بمعنى المقام، ك مَقْعَدِ صِدْقٍ [القمر: ٥٥] ، بإطلاق الحالّ وإرادة المحلّ، وإضافته إلى الصدق من إضافة الموصوف إلى الصفة. وأصله «قدم صدق» أي محققة مقررة. وفيه مبالغة لجعلها عين الصدق، وتنبيه على أنهم إنما نالوا ما نالوا بصدقهم، ظاهرا وباطنا.
قال في (الانتصاف) : ولم يرد في سابقة السوء تسميتها «قدما» إما لأن المجاز لا يطرد، وإما أن يكون مطردا، ولكن غلب العرف على قصرها، كما يغلب في الحقيقة.
قالَ الْكافِرُونَ وهم المتعجبون إِنَّ هذا أي الكتاب الحكيم لَسِحْرٌ مُبِينٌ أي ظاهر. وقرئ «لساحر» على أن الإشارة إلى الرسول صلوات الله عليه. وهو دليل عجزهم واعترافهم، وإن كانوا كاذبين في تسميته سحرا، وذلك لأن التعجب أولا، ثم التكلم بما هو معلوم الانتفاء قطعا، حتى عند نفس المعارض، دأب العاجز المفحم.
ثمّ بيّن تعالى بطلان تعجبهم، وما بنوا عليه، وحقق فيه حقية ما تعجبوا منه، وصحة ما أنكروه، بالتنبيه على بعض ما يدل عليها من شؤون الخلق والتقدير، ويرشدهم إلى معرفتها بأدنى تذكير، فقال سبحانه: