وَاعْمَلُوا صالِحاً أي عملا صالحا. فإنه الذي به سعادة الدارين. وقوله إِنِّي بِما تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ أي ذو علم لا يخفى عليّ منها شيء. فأنا مجازيكم بجميعها، وموفيكم أجوركم وثوابكم عليها، فخذوا في صالحات الأعمال واجتهدوا.
[القول في تأويل قوله تعالى: [سورة المؤمنون (٢٣) : آية ٥٢]]
وَإِنَّ هذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً واحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ (٥٢)
وَإِنَّ هذِهِ أُمَّتُكُمْ أي واعلموا أن هذه ملتكم وشريعتكم التي أنتم عليها أُمَّةً واحِدَةً أي ملة واحدة، وهي شريعة الإسلام. إسلام الوجه لله تعالى بعبادته وحده.
كقوله: إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلامُ [آل عمران: ١٩] ، (فالأمة) هنا بمعنى الملة والدين وَأَنَا رَبُّكُمْ أي من غير شريك فَاتَّقُونِ أي فخافوا عقابي، في مفارقة الدين والجماعة. قيل: إنه اختير على قوله: (فاعبدون) الواقع في سورة الأنبياء، لأنه أبلغ في التخويف، لذكره بعد إهلاك الأمم، بخلاف ما ثمة وهذا بناء على أنه تذييل للقصص السابقة، أو لقصة عيسى عليه الصلاة والسلام، لا ابتداء كلام. فإنه حينئذ لا يفيده. إلا أن يراد أنه وقع في الحكاية لهذه المناسبة. كذا في (العناية) .
ثم قص ما وقع من أمم الرسل بعدهم من مخالفة الأمر، بقوله تعالى:
القول في تأويل قوله تعالى: [سورة المؤمنون (٢٣) : الآيات ٥٣ الى ٥٤]
فَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ زُبُراً كُلُّ حِزْبٍ بِما لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ (٥٣) فَذَرْهُمْ فِي غَمْرَتِهِمْ حَتَّى حِينٍ (٥٤)
فَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ زُبُراً أي جعلوا دينهم بينهم قطعا وفرقا منوعة كُلُّ حِزْبٍ بِما لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ أي كل فرقة من فرق هؤلاء المختلفين المتقطعين دينهم، فرح بباطله، مطمئن النفس، معتقد أنه على الحق فَذَرْهُمْ فِي غَمْرَتِهِمْ أي في جهالتهم، ومشيهم مع هواهم، ونبذهم كتاب الله حَتَّى حِينٍ أي إلى وقت يستفيقون فيه من سباتهم، بظهور دين الله وعلو كلمته وهزم عدوه. وشبه جهالتهم بالماء الذي يغمر القامة، لأنهم مغمورون فيها.
القول في تأويل قوله تعالى: [سورة المؤمنون (٢٣) : الآيات ٥٥ الى ٥٦]
أَيَحْسَبُونَ أَنَّما نُمِدُّهُمْ بِهِ مِنْ مالٍ وَبَنِينَ (٥٥) نُسارِعُ لَهُمْ فِي الْخَيْراتِ بَلْ لا يَشْعُرُونَ (٥٦)
أَيَحْسَبُونَ أَنَّما نُمِدُّهُمْ بِهِ أي نعطيهم إياه، ونجعله مددا لهم مِنْ مالٍ وَبَنِينَ