للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ظهور هؤلاء، الذين هم فروع المشركين، ومن اتبعهم، من مبدلة الصابئين ثم مبدلة اليهود والنصارى في أوائل المائة الثانية وأوائل الثالثة، في إمارة أبي العباس الملقب بالمأمون، بسبب تعريب كتب الروم المشركين الصابئين. الذين كانوا قبل النصارى، ومن أشبههم من فارس والهند. وظهرت علوم الصابئين المنجمين ونحوهم. وقد تقدم أن أهل الكلام المبتدع في الإسلام هم من فروع الصابئين. كما يقال: المعتزلة مخانيث الفلاسفة. فظهرت هذه المقالة في أهل العلم والكلام. وفي أهل السيف والإمارة. وصار في أهلها من الخلفاء والأمراء والوزراء والقضاة والفقهاء، ما امتحنوا به المؤمنين والمؤمنات والمسلمين والمسلمات. الذين اتبعوا ما أنزل إليهم من ربهم.

ولم يبدلوا ويبتدعوا. وذلك لقصور وتفريط من أكثرهم، في معرفة حقيقة ما جاء به الرسول وأتباعه.

[فصل]

فجاء قوم من متكلمي الصفاتية الذين نصروا أن الله له علم وقدرة وبصر وحياة، بالمقاييس العقلية المطابقة للنصوص النبوية. وفرّقوا بين الصفات القائمة بالجواهر فجعلوها أعراضا وبين الصفات القائمة بالرب فلم يسموها أعراضا. لأن العرض ما لا يدوم وما لا يبقى. أو ما يقوم بمتحيز أو جسم. وصفات الرب لازمة دائمة ليست من جنس الأعراض القائمة بالأجسام. وهؤلاء أهل الكلام القياسي من الصفاتية، فارقوا أولئك المبتدعة المعطلة الصابئة في كثير من أمورهم. وأثبتوا الصفات التي قد يستدل بالقياس العقليّ عليها. كالصفات السبع. وهي الحياة والعلم والقدرة والإرادة والسمع والبصر والكلام. ولهم نزاع في السمع والبصر والكلام. هل هو من الصفات العقلية أو الصفات النبوية الخبرية السمعية؟ ولهم اختلاف في البقاء والقدم. وفي الإدراك الذي هو إدراك المشمومات والمذوقات والملموسات. ولهم أيضا اختلاف في الصفات السمعية القرآنية الخبرية. كالوجه واليد. فأكثر متقدميهم أو كلهم يثبتها. وكثير من متأخريهم لا يثبتها. وأما ما لا يرد إلا في الحديث فأكثرهم لا يثبتها. ثم منهم من يصرف النصوص عن دلالتها لأجل ما عارضها من القياس العقليّ عنده. ومنهم من يفوّض معناها. وليس الغرض هنا تفصيل مقالات الناس فيما يتعلق بسائر الصفات. وإنما المقصود القول في رسالة الله وكلامه الذي بلغته رسله. فكان هؤلاء، بينهم وبين أهل الوراثة النبوية، قدر مشترك بما ملكوه من الطرق الصائبة في أمر الخالق وأسمائه وصفاته. فصار في مذهبهم في

<<  <  ج: ص:  >  >>