وَالنِّساءِ وَالْوِلْدانِ أي: الصبيان فإنهم معذورون في ترك الهجرة لأنهم لا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً في الخروج، إذ لا قوة لهم على الخروج ولا نفقة وَلا يَهْتَدُونَ سَبِيلًا أي: لا يعرفون طريقا إلى دار الهجرة.
[القول في تأويل قوله تعالى: [سورة النساء (٤) : آية ٩٩]]
فَأُولئِكَ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَعْفُوَ عَنْهُمْ أي يتجاوز عنهم بترك الهجرة. قال الرازيّ:
هاهنا سؤال. وهو أن القوم لما كانوا عاجزين عن الهجرة، والعاجز عن الشيء غير مكلف به، وإذا لم يكن مكلفا به لم يكن عليه في تركه عقوبة- فلم قال: عسى الله أن يعفو عنهم؟ والعفو لا يتصور إلا مع الذنب. وأيضا (عسى) كلمة الإطماع. وهذا يقتضي عدم القطع بحصول العفو في حقهم. والجواب عن الأول: أن المستضعف قد يكون قادرا على ذلك الشيء مع ضرب من المشقة. وتمييز الضعف الذي يحصل عنده الرخصة، عن الحد الذي لا يحصل عنده الرخصة، شاق ومشتبه. فربما ظن الإنسان بنفسه أنه عاجز عن المهاجرة، ولا يكون كذلك، ولا سيما في الهجرة عن الوطن. فإنها شاقة في النفس. وبسبب شدة النفرة قد يظن الإنسان كونه عاجزا. مع أنه لا يكون كذلك. فلهذا المعنى كانت الحاجة إلى العفو شديدة في هذا المقام.
والجواب عن الثاني- بأن الفائدة في (عسى) الدلالة على أن ترك الهجرة أمر مضيق لا توسعة فيه. حتى إن المضطر البيّن الاضطرار من حقه أن يقول: عسى الله أن يعفو عني. فكيف الحال في غيره؟ هذا ما ذكره صاحب (الكشاف) .
والأولى في الجواب ما قدمناه. وهو أن الإنسان لشدة نفرته عن مفارقة الوطن، ربما ظن نفسه عاجزا عنها. مع أنه لا يكون كذلك في الحقيقة. فلهذا المعنى ذكر العفو بكلمة (عسى) لا بالكلمة الدالة على القطع. انتهى. وقال أبو السعود: جيء بكلمة (الإطماع) ولفظ (العفو) إيذانا بأن الهجرة من تأكيد الوجوب بحيث ينبغي أن يعد تركها، ممن تحقق عدم وجوبها عليه، ذنبا يجب طلب العفو عنه، رجاء وطمعا. لا جزما وقطعا. وقال المهايميّ: فيه إشعار بأن ترك الهجرة أمر خطير. حتى إن المضطر حقه أن يترصد الفرصة ويعلّق قلبه بها. وإن الصبيّ إذا قدر فلا محيص له عنه. وإن قوّامهم يجب عليهم أن يهاجروا بهم. ثم أكد الإطماع لئلا ييأسوا فقال وَكانَ اللَّهُ عَفُوًّا غَفُوراً وفي إقحام (كان) إشارة إلى اتصافه تعالى بهذه الصفة قبل خلق الخلق. أو أن هذه عادته تعالى، أجراها في حق خلقه. ووعده بالعفو والمغفرة