وقوله تعالى:
[القول في تأويل قوله تعالى: [سورة الأنفال (٨) : آية ٧٣]]
وَالَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ إِلاَّ تَفْعَلُوهُ تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الْأَرْضِ وَفَسادٌ كَبِيرٌ (٧٣)
وَالَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ أي فلا يتولاهم إلا من كان منهم، ففيه إشارة إلى نهي المسلمين عن موالاتهم. وإيجاب مباعدتهم ومصارمتهم، وإن كانوا أقرب وقد استدل به على أنه لا توارث بين المسلمين والكفار.
روى الحاكم في (مستدركه) عن أسامة عن النبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: لا يتوارث أهل ملتين، ولا يرث مسلم كافرا ولا كافر مسلما، ثم قرأ وَالَّذِينَ كَفَرُوا ... الآية رواه الشيخان عنه «١» بلفظ: لا يرث المسلم الكافر ولا الكافر المسلم.
وقوله تعالى: إِلَّا تَفْعَلُوهُ تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الْأَرْضِ وَفَسادٌ كَبِيرٌ أي إلا تفعلوا ما أمرتكم به من التواصل، وتولّي بعضكم بعضا، ومن قطع العلائق بينكم وبين الكفار، تحصل فتنة في الأرض ومفسدة عظيمة، لأن المسلمين ما لم يصيروا يدا واحدة على الشرك، كان الشرك ظاهرا، والفساد زائدا، في الاعتقادات والأعمال.
وقيل: الضمير المنصوب للميثاق أو حفظه أو النصر أو الإثبات. وقيل إنه للاستنصار المفهوم من الفعل. والفتنة: إهمال للمؤمنين المستنصرين بنا، حتى يسلط علينا الكفار. إذ فيه وهن للدين.
قال الشهاب: وفيه تكلف، أي فالأوجه عوده للتولي والتواصل- كما بينا-.
قال الرازي: بيان هذه الفتنة والفساد عن وجوه:
الأول- أن المسلمين لو اختلطوا بالكفار في زمان ضعف المسلمين، وقلة عددهم، وزمان قوة الكفار، وكثرة عددهم، فربما صارت تلك المخالطة سببا لالتحاق المسلم بالكفار.
الثاني- أن المسلمين لو كانوا متفرقين لم يظهر منهم جمع عظيم، فيصير ذلك سببا لجرأة الكفار عليهم.
الثالث أنه إذا كان جميع المسلمين كل يوم في الزيادة في العدد والعدد صار ذلك سببا لمزيد رغبتهم فيما هم فيه، ورغبة المخالف في الالتحاق بهم. انتهى.
(١) أخرجه مسلم عن أسامة بن زيد في: الفرائض، حديث رقم ١.