أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ قال ابن جرير: أي أفلا يتدبر هؤلاء المنافقون مواعظ الله التي يعظهم بها في آي القرآن الذي أنزله على نبيه عليه السلام، ويتفكرون في حججه التي بينها لهم في تنزيله، فيعلموا بها خطأ ما هم عليه مقيمون. أَمْ عَلى قُلُوبٍ أَقْفالُها أي فلا يصل إليها ذكر، ولا ينكشف لها أمر. وتنكير (القلوب) للإشعار بفرط جهالتها ونكرها، كأنها مبهمة منكورة. و (الأقفال) مجاز عما يمنع الوصول. وإضافتها إلى القلوب لإفادة الاختصاص المميز لها عما عداها وللإشارة إلى أنها لا تشبه الأقفال المعروفة، إذ لا يمكن فتحها أبدا.
[القول في تأويل قوله تعالى: [سورة محمد (٤٧) : آية ٢٥]]
إِنَّ الَّذِينَ ارْتَدُّوا عَلى أَدْبارِهِمْ أي عادوا لما كانوا عليه من الكفر مِنْ بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لَهُمُ الْهُدَى أي الحق بواضح الحجة.
الشَّيْطانُ سَوَّلَ لَهُمْ أي زين لهم ارتدادهم وحملهم عليه وَأَمْلى لَهُمْ أي ومدّ لهم في الآمال والأمانيّ، أو أمهلهم الله تعالى، فمد في آجالهم، ولم يعاجلهم بالعقوبة. والمعنى: الشيطان سول لهم، والله أملى لهم.
[القول في تأويل قوله تعالى: [سورة محمد (٤٧) : آية ٢٦]]
ذلِكَ إشارة إلى ما ذكر من ارتدادهم، بِأَنَّهُمْ أي بسبب أنهم قالُوا أي المنافقون لِلَّذِينَ كَرِهُوا ما نَزَّلَ اللَّهُ أي لليهود الكارهين لنزول القرآن على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم سَنُطِيعُكُمْ فِي بَعْضِ الْأَمْرِ أي بعض أموركم، أو ما تأمرون به كالقعود عن الجهاد، والتظاهر على الرسول، أو الخروج معهم إن أخرجوا، كما أوضح ذلك قوله تعالى: أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ نافَقُوا يَقُولُونَ لِإِخْوانِهِمُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ لَئِنْ أُخْرِجْتُمْ لَنَخْرُجَنَّ مَعَكُمْ وَلا نُطِيعُ فِيكُمْ أَحَداً أَبَداً وَإِنْ قُوتِلْتُمْ لَنَنْصُرَنَّكُمْ [الحشر: ١١] ، وهم بنو قريظة والنضير الذين كانوا يوالونهم ويوادّونهم.
وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِسْرارَهُمْ أي: إخفاءهم لما يقولونه لليهود.