موافقة القراءات لرسم المصحف العثمانيّ تحقيقا أو تقديرا
قال ابن الجزريّ، في النشر: موافقة الرسم قد تكون تحقيقا وهي الموافقة الصريحة، وقد تكون تقديرا، وهي الموافقة احتمالا. فإنه قد خولف صريح الرسم في مواضع إجماعا نحو السَّماواتِ، والرِّبَوا ونحو لِنَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ [يونس: ١٤] ، وَجِيءَ [الزمر: ٦٩] ، حيث كتب بنون واحدة، وبألف بعد الجيم في بعض المصاحف.
وقد توافق بعض القراءات الرسم تحقيقا، وتوافق بعضها تقديرا نحو ملك يوم الدين [الفاتحة: ٤] ، فإنه كتب بغير ألف في جميع المصاحف. فقراءة الحذف تحتمله تحقيقا كما كتب مَلِكِ النَّاسِ [الناس: ٢] ، وقراءة الألف تحتمله تقديرا كما كتب مالِكَ الْمُلْكِ [آل عمران: ٢٦] ، فتكون الألف حذفت اختصارا. وكذلك النَّشْأَةَ [العنكبوت: ٢٠] ، حيث كتبت بالألف وافقت قراءة المد تحقيقا ووافقت قراءة القصر تقديرا، إذ يحتمل أن تكون الألف صورة الهمزة على غير قياس. وقد يوافق اختلاف القراءات الرسم تحقيقا نحو يَغْفِرْ لَكُمْ [آل عمران: ٣١] ، وتَعْمَلُونَ، وهَيْتَ لَكَ [يوسف: ٢٣] . مما يدل تجرده عن النقط والشكل وحذفه وإثباته- على فضل عظيم للصحابة رضي الله عنهم في علم الهجاء خاصة، وفهم ثاقب في تحقيق كل علم.
وقال أيضا بعد أوراق: ثم إن الصحابة رضي الله عنهم لم يكن بينهم فيها إلا الخلاف اليسير المحفوظ بين القراء، ثم إنهم لمّا كتبوا تلك المصاحف جردوها من النقط والشكل ليحتمله ما لم يكن في العرضة الأخيرة مما صح عن النبيّ صلّى الله عليه وسلّم.
وإنما أخلوا المصاحف من النقط والشكل لتكون دلالة الخط الواحد على كلا اللفظين المنقولين المسموعين المتلوّين- شبيهة بدلالة اللفظ الواحد على كلا المعنيين المعقولين المفهومين. فإن الصحابة، رضوان الله عليهم، تلقوا عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ما أمره الله تعالى بتبليغه إليهم من القرآن، لفظه ومعناه جميعا، ولم يكونوا ليسقطوا شيئا من القرآن الثابت عنه صلّى الله عليه وسلّم، ولا يمنعوا من القراءة به.
[ما لا يعد مخالفا لصريح الرسم من القراءات الثابتة]
قال في النشر بعد ما تقدم: على أن مخالف صريح الرسم في حرف مدغم أو مبدل أو ثابت أو محذوف أو نحو ذلك لا يعد مخالفا إذا ثبتت القراءة به ووردت