صبر المستعلي، ويثبت ثبات المستولي. ومن صبر على هذه الشدائد في الدعاء إلى الله تعالى، وهو الرفيع الشأن، كان غيره أجدر إن كان ممن يتبع بإحسان لِمَنْ كانَ يَرْجُوا اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ أي رضوان الله ورحمته وثواب اليوم الآخر ونجاته. فإنه يؤثرهما على الحياة الدنيا، فلا يجبن. إذ لا يصح الجبن لمن صح اقتداؤه برسول الله صلّى الله عليه وسلّم، لغاية قبحه وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً أي وقرن بالرجاء ذكره تعالى بكثرة. أي ذكر أمره ونهيه ووعده ووعيده. فأدرك مواطن السّعادة ومهاوي الشقاوة. وعلم أن في الثبات على قتل العدوّ، تطهير الأرض من الفساد، وتزيينها بالحق والصلاح والسداد.
مما جزاؤه سعادة الدارين، والفوز بالحسنيين. ثم بيّن تعالى ما كان من المؤمنين المخلصين في تلك الشدة، بعد بيان ما كان من غيرهم، بقوله سبحانه:
القول في تأويل قوله تعالى: [سورة الأحزاب (٣٣) : الآيات ٢٢ الى ٢٣]
وَلَمَّا رَأَ الْمُؤْمِنُونَ الْأَحْزابَ قالُوا هذا ما وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ أي لأنه تعالى وعدهم أن يزلزلوا حتى يستغيثوه ويستنصروه، في قوله أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ [البقرة: ٢١٤] ، وكذلك حدثهم الرسول صلوات الله عليه بالابتلاء والامتحان الذي يعقبه النصر والأمان وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ أي ظهر صدقهما فيما وعدانا به وَما زادَهُمْ أي هذا الخطب والبلاء، عند تزلزل المنافقين وبث أراجيفهم إِلَّا إِيماناً أي بالله ورسوله ومواعيدهما وَتَسْلِيماً أي لأمر الله ومقاديره مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجالٌ صَدَقُوا ما عاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ في الصبر والثبات، والقيام بما كتب عليهم من القتال، لإعلاء كلمة الحق، ومن العمل بالصالحات، ومجانبة السيئات فَمِنْهُمْ مَنْ قَضى نَحْبَهُ أي أدّى ما التزمه ووفى به، فقاتل مع الرسول صلّى الله عليه وسلّم، صادقا حتى قتل شهيدا.
قال الشهاب: أصل معنى (النحب) النذر. وقضاؤه الوفاء به. وقد كان رجال من الصحابة رضي الله عنهم نذروا أنهم إذا شهدوا معه صلّى الله عليه وسلّم حربا، قاتلوا حتى يستشهدوا. وقد استعير (قضاء النحب) للموت، لأنه لكونه لا بد منه، مشبّه بالنذر الذي يجب الوفاء به. فيجوز أن يكون هنا حقيقة، أو استعارة من المشاكلة فيه. انتهى.