أي ما رأيت مني عَنْ أَمْرِي أي عن اجتهادي ورأيي، وإنما فعلته بأمر الله تعالى: ذلِكَ تَأْوِيلُ ما لَمْ تَسْطِعْ عَلَيْهِ صَبْراً أي من الأمور التي رأيتها. أي مآله وعاقبته. قال أبو السعود (ذلك) إشارة إلى العواقب المنظومة في سلك البيان. وما فيه من معنى البعد للإيذان ببعد درجتها في الفخامة. وتَسْطِعْ مخفف (تستطع) بحذف التاء.
[تنبيهات:]
في بعض ما اشتمل عليه هذا النبأ من الأحكام واللطائف والفوائد الساميات:
الأول- قال السيوطيّ في (الإكليل) : في هذه الآيات أنه لا بأس بالاستخدام واتخاذ الرفيق والخادم في السفر. واستحباب الرحلة في طلب العلم. واستزادة العالم من العلم واتخاذ الزاد للسفر، وأنه لا ينافي التوكل. ونسبة النسيان، ونحوه من الأمور المكروهة، إلى الشيطان، مجازا وتأدبا عن نسبتهما إلى الله تعالى. وتواضع المتعلم لمن يتعلم منه ولو كان دونه في المرتبة. واعتذار العالم إلى من يريد الأخذ عنه في عدم تعليمه مما لا يحتمله طبعه. وتقديم المشيئة في الأمر، واشتراط المتبوع على التابع. وأنه يلزم الوفاء بالشروط. وأن النسيان غير مؤاخذ به. وأن (للثلاث) اعتبارا في التكرار ونحوه. وأنه لا بأس بطلب الغريب الطعام والضيافة. وأن صنع الجميل لا يترك ولو مع اللئام. وجواز أخذ الأجر على الأعمال. وأن المسكين لا يخرج عن المسكنة بكونه له سفينة أو آلة يكتسب بها، أو شيء لا يكفيه. وأن الغصب حرام.
وأنه يجوز إتلاف بعض مال الغير، أو تعييبه، لوقاية باقيه، كمال المودع واليتيم. وإذا تعارض مفسدتان ارتكب الأخف. وأن الولد يحفظ بصلاح أبيه. وأنه تجب عمارة ما يخاف منه، ويحرم إهمالها إلى أن تخرب. وأنه يجوز دفن المال في الأرض.
انتهى.
وقال البيضاويّ: ومن فوائد هذه القصة أن لا يعجب المرء بعلمه. ولا يبادر إنكار ما لم يستحسنه، فلعل فيه سرّا لا يعرفه. وأن يداوم على التعلم، ويتذلل للمعلم، ويراعي الأدب في المقال. وأن ينبه المجرم على جرمه، ويعفو عنه حتى يتحقق إصراره، ثم يهاجر عنه. انتهى.
ومن فوائد الآية- كما في (فتح الباري) - استحباب الحرص على لقاء العلماء وتجشم المشاق في ذلك. وإطلاق (الفتى) على التابع واستخدام الحرّ. وطواعية الخادم لمخدومه. وعذر الناسي. وجواز الإخبار بالتعب، ويلحق به الألم من مرض