ونحوه. ومحل ذلك إذا كان على غير سخط من المقدور. ومنها أن المتوجه إلى ربه يعان فلا يسرع إليه النصب. وفيها جواز طلب القوت. وطلب الضيافة. وقيام العذر بالمرة الواحدة، وقيام الحجة بالثانية. وفيها حسن الأدب مع الله وأن لا يضاف إليه ما يستهجن لفظه، وإن كان الكل بتقديره وخلقه، لقول الخضر عن السفينة فَأَرَدْتُ أَنْ أَعِيبَها وعن الجدار فَأَرادَ رَبُّكَ ومثل هذا
قوله «١» صلى الله عليه وسلم: «والخير بيديك والشر ليس إليك»
. انتهى.
ومن فوائدها إطلاق (القرية) على (المدينة) لقوله: أَهْلَ قَرْيَةٍ ثم قوله:
لِغُلامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ.
الثاني- ذكر الناصر في (الانتصاف) : شذرات من لطائف بعض الآي المذكورة فنأثرها عنه.
قال عليه الرحمة: ورد في الحديث أن موسى عليه السلام لم ينصب، ولم يقل: لقد لقينا من سفرنا هذا نصبا، إلا منذ جاوز الموضع الذي حدّه الله تعالى له.
فلعل الحكمة في إنساء يوشع أن يتيقظ موسى عليه السلام، لمنة الله تعالى على المسافر في طاعة وطلب علم، بالتيسير عليه وحمل الأعباء عنه. وتلك سنة الله الجارية في حق من صحت له نية في عبادة من العبادات، أن ييسرها، ويحمل عنه مؤنتها، ويتكفل به ما دام على تلك الحالة. وموضع الإيقاظ أنه وجد بين حالة سفره للموعد وحالة مجاوزته، بونا بيّنا، والله أعلم وإن كان موسى عليه السلام متيقظا لذلك، فالمطلوب إيقاظ غيره من أمته، بل من أمة محمد عليه الصلاة والسلام، إذا قص عليهم القصة. فما أورد الله تعالى قصص أنبيائه ليسمر بها الناس، ولكن ليشمّر الخلق لتدبرها واقتباس أنوارها ومنافعها، عاجلا وآجلا. والله أعلم.
ثم قال عليه الرحمة: ومما يدل على أن موسى عليه السلام إنما حمله على المبادرة بالإنكار، الالتهاب والحمية للحق، أنه قال حين خرق السفينة أَخَرَقْتَها لِتُغْرِقَ أَهْلَها، ولم يقل (لتغرقنا) فنسي نفسه واشتغل بغيره، في الحالة التي كل أحد فيها يقول (نفسي نفسي) لا يلوي على مال ولا ولد. وتلك حالة الغرق.
فسبحان من جبل أنبياءه وأصفياءه على نصح الخلق والشفقة عليهم والرأفة بهم.
صلوات الله عليهم أجمعين، وسلامه.
(١) أخرجه مسلم في: صلاة المسافرين وقصرها، حديث رقم ٢٠١.