فإن الأزواج يحرصن أشد الحرص على ما يقطع وصلة الضرة الضعيفة ويبترها من عضو الزوجية. هذا ما ظهر لي الآن.
وأما تخريج رواية العسل في هذه الآية، وقول بعض السلف نزلت فيه، فالمراد منه أن الآية تشمل قصته بعمومها، على ما عرف من عادة السلف في قولهم: نزلت في كذا، كما نبهنا عليه مرارا. وكأنه عليه السلام كان حرم ذلك الشراب، ثم أخبر الرواة بأن مثله فرضت فيه التحلة، فلا مانع من العود إلى شربه- والله أعلم-.
الثاني- في (الإكليل) : استدل بها على أن من حرم على نفسه أمة أو طعاما أو زوجة، لم تحرم عليه، وتلزمه كفارة يمين.
وروى البخاريّ «١» عن ابن عباس قال: في الحرام يكفّر. لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة.
وذهب ابن جرير إلى أنه كان مع التحريم يمين، ورد كون التحريم بمجرده يمينا، وفيه نظر، لأن اليمن في عرفهم أعم من القسم بالله، كما ذهب إليه ابن عباس والحسن وقتادة وابن جبير وغيرهم.
قال قتادة: إن النبيّ صلى الله عليه وسلم حرمها، يعني جاريته، فكانت يمينا- رواه ابن جرير
- وسيأتي ما يؤيده. وقوله تعالى:
[القول في تأويل قوله تعالى: [سورة التحريم (٦٦) : آية ٢]]
قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمانِكُمْ وَاللَّهُ مَوْلاكُمْ وَهُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ (٢)
قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمانِكُمْ أي: شرع تحليلها- وهو حل ما عقدته- بالكفارة،. والتحلة، مصدر بمعنى التحليل. وَاللَّهُ مَوْلاكُمْ أي: متولي أموركم وَهُوَ الْعَلِيمُ أي بمصالحكم الْحَكِيمُ أي: في تدبيره إياكم بما شرعه وحكم به.
[تنبيهات:]
الأول- قال ابن قدامة في (الروضة) . دلت الآية على أن حكم خطابه صلى الله عليه وسلم لا يختص به، لأنه لما عاتبه في تحريم ما أحل له قال عقيبه: قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمانِكُمْ وابتدأ الخطاب بمناداته وحده، ثم تمّمه بلفظ الجمع بقوله: يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذا طَلَّقْتُمُ النِّساءَ. والمسألة طويلة الذيل في الأصول.
(١) أخرجه في: التفسير، سورة التحريم، ١- باب يا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ ما أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ، حديث ٢٠٧٢. وأخرجه مسلم في: الطلاق، حديث رقم ١٨.