ثم قال: والمعنى أن المودة قسمان: مودة دنيوية، ومودة أخروية. والدنيوية منشؤها النفس، والأخروية منشؤها الروح. فكل ما يحب ويودّ من دون الله، لا لله ولا بمحبة الله، فهو محبوب بالمودة النفسية. وهو هوى زائل، كلما انقطعت الوصلة البدنية زالت ولم تصل إلى إحدى القيامات، فإنها نشأت من تركيب البدن واعتدال المزاج. فإذا انحلّ التركيب وانحرف المزاج، تلاشت وبقي التضادّ والتعاند، بمقتضى الطبائع، لقوله تعالى: ثُمَّ يَوْمَ الْقِيامَةِ يَكْفُرُ بَعْضُكُمْ بِبَعْضٍ الآية. ولهذا شبهها ببيت العنكبوت في الوهن.
وأما الأخروية فمنشؤها المحبة الإلهية. وتلك المودة هي التي تكون بين الأصفياء والأولياء، لتناسب الصفات، وتجانس الذوات، لا تتصفى غاية الصفاء إلا عند زوال التركيب. فيصير يوم القيامة محبة صرفة الهيئة، بخلاف تلك. انتهى.
فَآمَنَ لَهُ أي صدق إبراهيم فيما دعاه إليه لُوطٌ وَقالَ إِنِّي مُهاجِرٌ أي من أرض قومي إِلى رَبِّي أي لا إلى غيره بل إلى عبادته وإقامة شعائر دينه والقيام بدعوة الخلق إلى الحق من شرعه وتوحيده إِنَّهُ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ وَوَهَبْنا لَهُ أي لإبراهيم إِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ أي ولدا ونافلة، بمباركة الذرية وَجَعَلْنا فِي ذُرِّيَّتِهِ النُّبُوَّةَ وَالْكِتابَ وَآتَيْناهُ أَجْرَهُ فِي الدُّنْيا أي بإيتاء الولد والذرية الطيبة واستمرار النبوة فيهم وانتماء أهل الملك إليه والثناء إلى آخر الدهر والصلاة عليه وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ وَلُوطاً إِذْ قالَ لِقَوْمِهِ إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الْفاحِشَةَ أي الفعلة المتناهية في القبح ما سَبَقَكُمْ بِها مِنْ أَحَدٍ مِنَ الْعالَمِينَ أي لتحاشي الطباع عنها. ثم فصّلها بعد الإجمال، لزيادة تنفير النفوس منها أَإِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجالَ وَتَقْطَعُونَ السَّبِيلَ أي سبيل النسل بإتيان ما ليس بحرث. أو بعمل قطاع الطريق من قتل الأنفس وأخذ الأموال وَتَأْتُونَ فِي نادِيكُمُ الْمُنْكَرَ أي ما لا يليق من الأقوال والأفعال فَما كانَ جَوابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَنْ قالُوا ائْتِنا بِعَذابِ اللَّهِ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ:
القول في تأويل قوله تعالى: [سورة العنكبوت (٢٩) : الآيات ٣٠ الى ٣٣]