[التوبة: ٢١] ، وجعلها بين يديه تتمة لها. لأن البشير يتقدم المبشّر به. ويجوز أن تكون تمثيلية. و (بشرا) من تتمة الاستعارة، داخل في جملتها. ومن قرأ (نشرا) كان تجريدا لها. لأن النشر يناسب السحاب وَأَنْزَلْنا مِنَ السَّماءِ ماءً طَهُوراً أي مطهرا، لقوله: لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ [الأنفال: ١١] . وهذه الآية أصل في الطهارة بالماء.
قال القاضي: وتوصيف الماء به إشعار بالنعمة فيه، وتتميم للمنة فيما بعده.
فإن الماء الطهور أهنأ وأنفع مما خالطه ما يزيل طهوريته. وتنبيه على أن ظواهرهم لما كانت مما ينبغي أن يطهروها، فبواطنهم بذلك أولى لِنُحْيِيَ بِهِ بَلْدَةً مَيْتاً أي بإنبات النبات وَنُسْقِيَهُ أي ذلك الماء مِمَّا خَلَقْنا أَنْعاماً وَأَناسِيَّ كَثِيراً قال الكرخيّ: خص الأنعام بالذكر، لأنها ذخيرتنا ومدار معاش أكثر أهل المدر. ولذلك قدم سقيها على سقيهم، كما قدم عليها إحياء الأرض. فإنها سبب لحياتها وتعيشها، فقدم ما هو سبب حياتهم ومعاشهم.
القول في تأويل قوله تعالى: [سورة الفرقان (٢٥) : الآيات ٥٠ الى ٥٢]
وَلَقَدْ صَرَّفْناهُ أي كررنا هذا القول الذي هو ذكر إنشاء السحاب وإنزال القطر بَيْنَهُمْ لِيَذَّكَّرُوا أي ليتفكروا ويعتبروا ويعرفوا حق النعمة فيه ويشكروا فَأَبى أَكْثَرُ النَّاسِ إِلَّا كُفُوراً أي كفران النعمة وجحودها وَلَوْ شِئْنا لَبَعَثْنا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ نَذِيراً أي نبيّا ينذر أهله فيخف عليك أعباء النبوة. لكن لم نشأ ذلك، فلم نفعله. بل قصرنا الأمر عليك حسبما ينطق به قوله تعالى: لِيَكُونَ لِلْعالَمِينَ نَذِيراً [الفرقان: ١] ، إجلالا لك وتعظيما، وتفضيلا لك على سائر الرسل.
وقال المهايميّ: أي لكن لم نشأ. لأنه يقتضي تفرق الأمم وتكثر الاختلافات.
فجعلنا الواحد نذيرا للكل ليطيعوه أو يقاتلهم. والكفار يريدون أن يطيعهم الرسل أو يتركوهم على ما هم عليه فَلا تُطِعِ الْكافِرِينَ أي فقابل ذلك بالثبات والاجتهاد في الدعوة وإظهار الحق والتشدد والتصبر. ولا تطعهم فيما يريدونك عليه. وأراد بهذا النهي، تهييجه وتهييج المؤمنين، وتحريكهم. أي إثارة غيرته وغيرتهم. وإلا فإطاعته لهم غير متصوّرة.