للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[القول في تأويل قوله تعالى: [سورة يوسف (١٢) : آية ٤٢]]

وَقالَ لِلَّذِي ظَنَّ أَنَّهُ ناجٍ مِنْهُمَا اذْكُرْنِي عِنْدَ رَبِّكَ فَأَنْساهُ الشَّيْطانُ ذِكْرَ رَبِّهِ فَلَبِثَ فِي السِّجْنِ بِضْعَ سِنِينَ (٤٢)

وَقالَ لِلَّذِي ظَنَّ أَنَّهُ ناجٍ مِنْهُمَا اذْكُرْنِي عِنْدَ رَبِّكَ أي قال يوسف للذي علم نجاته من الفتيين، أي خلوصه من السجن والقتل، وهو الساقي: اذْكُرْنِي عِنْدَ رَبِّكَ أي: اذكر حالي وصفتي، وعلمي بالرؤيا، وما جرى عليّ، عند الملك سيدك، عسى يخلصني مما ظلمت به.

و (الظن) بمعنى العلم واليقين، ورد كثيرا، والتعبير به إرخاء للعنان، وتأدب مع الله تعالى. وقيل: الظن بمعناه المعروف، بناء على أن تأويل يوسف بطريق الاجتهاد، والحكم بقضاء الأمر اجتهادي أيضا والأول أنسب بالسياق.

[تنبيه:]

دلت الآية على جواز الاستعانة بمن هو مظنة كشف الغمة، ولو مشركا. وقد جاء ذلك في قوله تعالى: وَتَعاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوى [المائدة: ٢] ، وقوله حكاية عن عيسى: مَنْ أَنْصارِي إِلَى اللَّهِ [آل عمران: ٥٢] و [الصف: ١٤] ، وفي

الحديث: (والله في عون العبد مادام العبد في عون أخيه) «١»

. وجلي أن ذلك من نظام الكون، والعمران البشريّ، ولذلك ميّز الإنسان بالنطق.

وأما ما

رواه ابن جرير عن ابن عباس مرفوعا: لو لم يقل- يعني يوسف- الكلمة التي قال، ما لبث في السجن طول ما لبث، حيث يبتغي الفرج من عند غير الله تعالى

- فقال الحافظ ابن كثير: حديث ضعيف جدّا، وذكر من رجاله الضعفاء راويين سماهما. ثم قال: وروي أيضا مرسلا عن الحسن وقتادة. قال: وهذه المرسلات هاهنا لا تقبل، لو قبل المرسل من حيث هو، في غير هذا الموطن- والله أعلم- انتهى ولقد أجاد وأفاد عليه الرحمة.

وقوله تعالى: فَأَنْساهُ الشَّيْطانُ ذِكْرَ رَبِّهِ يعني: فشغله الشيطان حتى نسي ذكر يوسف عند الملك. فَلَبِثَ أي مكث يوسف فِي السِّجْنِ بِضْعَ سِنِينَ أي طائفة منها.


(١) أخرجه مسلم في: الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار، حديث رقم ٣٨ من حديث طويل لأبي هريرة.

<<  <  ج: ص:  >  >>