وَقالَ لِلَّذِي ظَنَّ أَنَّهُ ناجٍ مِنْهُمَا اذْكُرْنِي عِنْدَ رَبِّكَ أي قال يوسف للذي علم نجاته من الفتيين، أي خلوصه من السجن والقتل، وهو الساقي: اذْكُرْنِي عِنْدَ رَبِّكَ أي: اذكر حالي وصفتي، وعلمي بالرؤيا، وما جرى عليّ، عند الملك سيدك، عسى يخلصني مما ظلمت به.
و (الظن) بمعنى العلم واليقين، ورد كثيرا، والتعبير به إرخاء للعنان، وتأدب مع الله تعالى. وقيل: الظن بمعناه المعروف، بناء على أن تأويل يوسف بطريق الاجتهاد، والحكم بقضاء الأمر اجتهادي أيضا والأول أنسب بالسياق.
[تنبيه:]
دلت الآية على جواز الاستعانة بمن هو مظنة كشف الغمة، ولو مشركا. وقد جاء ذلك في قوله تعالى: وَتَعاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوى [المائدة: ٢] ، وقوله حكاية عن عيسى: مَنْ أَنْصارِي إِلَى اللَّهِ [آل عمران: ٥٢] و [الصف: ١٤] ، وفي
الحديث:(والله في عون العبد مادام العبد في عون أخيه)«١»
. وجلي أن ذلك من نظام الكون، والعمران البشريّ، ولذلك ميّز الإنسان بالنطق.
وأما ما
رواه ابن جرير عن ابن عباس مرفوعا: لو لم يقل- يعني يوسف- الكلمة التي قال، ما لبث في السجن طول ما لبث، حيث يبتغي الفرج من عند غير الله تعالى
- فقال الحافظ ابن كثير: حديث ضعيف جدّا، وذكر من رجاله الضعفاء راويين سماهما. ثم قال: وروي أيضا مرسلا عن الحسن وقتادة. قال: وهذه المرسلات هاهنا لا تقبل، لو قبل المرسل من حيث هو، في غير هذا الموطن- والله أعلم- انتهى ولقد أجاد وأفاد عليه الرحمة.
وقوله تعالى: فَأَنْساهُ الشَّيْطانُ ذِكْرَ رَبِّهِ يعني: فشغله الشيطان حتى نسي ذكر يوسف عند الملك. فَلَبِثَ أي مكث يوسف فِي السِّجْنِ بِضْعَ سِنِينَ أي طائفة منها.
(١) أخرجه مسلم في: الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار، حديث رقم ٣٨ من حديث طويل لأبي هريرة.