للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المغارة التي في حبرون، وهي المعروفة اليوم بمدينة الخليل فإن فيها دفن إبراهيم، وسارة امرأته، وإسحاق ورفقة زوجته، وليأة امرأة يعقوب. ولما فرغ يعقوب من وصيته لبنيه فاضت روحه، فوقع يوسف على وجه أبيه، وبكى وقبله. ثم أمر الأطباء أن يحنطوه ويصبروه. ولما انقضت أيام التعزية به، استأذن يوسف فرعون بأن يبرح لدفن أبيه: عملا بوصيته فأذن له وسار من مصر، وصحبه إخوته آل أبيه وحاشيته، ووجهاء مصر، وأتباع فرعون في موكب عظيم، إلى أن وصلوا أرض كنعان ودفنوه في المغارة- كما أوصى- ثم عاد بمن معه إلى مصر، ولم يزل يوسف يرعى إخوته بالإكرام- كما أوصى- ثم عاد بمن معه إلى مصر، ولم يزل يوسف يرعى إخوته بالإكرام والإحسان، إلى أن قرب أجله، فأوصاهم بأن ينقلوه معهم إذا عادوا إلى الأرض التي كتبها الله لآبائهم. ثم توفي يوسف، وهو ابن مائة وعشر سنين، فحنّطوه، وجعلوه في تابوت بمصر.

هذا ما قصه قدماء المؤرخين، والله أعلم بالحقائق. وإنما لم يذكر هذا، القرآن الكريم، لأن القرآن لم يبن على قانون التاريخ، فليس فيه شيء من التاريخ من حيث هو قصص وأخبار، وإنما هي الآيات والعبر، تجلت في سياق الوقائع، ولذلك لم تذكر قصة بترتيبها وتفاصيلها، وإنما يذكر موضع العبرة فيها، كما سيأتي الإشارة إليه في قوله تعالى: لَقَدْ كانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبابِ [يوسف: ١١١] ، وقوله:

وَكُلًّا نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْباءِ الرُّسُلِ ما نُثَبِّتُ بِهِ فُؤادَكَ [هود: ١٢٠] ، ومضى في المقدمة بسط هذا البحث، فراجعه. وسنذكر إن شاء الله في آخر السورة شيئا من الحكم والعبر المقتبسة من نبأ يوسف، فانتظر.

وقوله تعالى:

[القول في تأويل قوله تعالى: [سورة يوسف (١٢) : آية ١٠٢]]

ذلِكَ مِنْ أَنْباءِ الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ وَما كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ أَجْمَعُوا أَمْرَهُمْ وَهُمْ يَمْكُرُونَ (١٠٢)

ذلِكَ مِنْ أَنْباءِ الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ إشارة إلى ما سبق من نبأ يوسف، البعيد درجة كماله في جميع ما لا يتناهى من المحاسن والأسرار حتى صار معجزا.

والخطاب لرسول الله صلى الله عليه وسلم أي: هذا من أخبار الغيوب السابقة، نوحيه إليك، ونعلمك به، لما فيه من العبرة والاتعاظ.

وقوله تعالى: وَما كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ أَجْمَعُوا أَمْرَهُمْ وَهُمْ يَمْكُرُونَ كالدليل على كونه نبأ غيبيا ووحيا سماويا. أي: لم تعرف هذا النبأ إلا من جهة الوحي، لأنك لم

<<  <  ج: ص:  >  >>