ومجاهد. لأنهم المحدّث عنهم في قوله تعالى: وَقالَتِ الْيَهُودُ. و (الثاني) ما بين فرق اليهود خاصة.
أقول: وهو الظاهر. فإن قلت: فهذا المعنى حاصل أيضا بين فرق المسلمين، فكيف يكون ذلك عيبا على الكتابيين حتى يذموا به؟ قلت: بدعة التفرق التي حصلت في المسلمين، إنما حدثت بعد عصر النبيّ صلى الله عليه وسلم وعصر الصحابة والتابعين.
أما في الصدر الأول فلم يكن شيء من ذلك حاصلا بينهم فحسن جعل ذلك عيبا على الكتابيين في ذلك العصر الذي نزل فيه القرآن.
كُلَّما أَوْقَدُوا ناراً لِلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللَّهُ أي: كلما أرادوا حرب الرسول صلى الله عليه وسلم، وإثارة شر عليه، ردهم الله سبحانه وتعالى، بأن أوقع بينهم منازعة كفّ بها عنه شرهم، أو: كلما أرادوا حرب أحد، غلبوا وقهروا ولم يقم لهم نصر من الله تعالى على أحد قط. فإيقاد النار كناية عن إرادة الحرب، لأنه كان عادتهم ذلك. ونيران العرب مشهورة، منها هذه. وإطفاء النار على الأول عبارة عن دفع شرهم، وعلى الثاني غلبتهم. و (للحرب) إما صلة ل (أوقدوا) ، أو متعلق بمحذوف وقع صفة (نارا) أي:
كائنة للحرب. ووَ يَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَساداً أي: للفساد أو مفسدين، أي: يجتهدون في الكيد للإسلام وأهله وتعويق الناس عنه وإثارة الفتن وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ أي: من كان الإفساد صفته. و (اللام) إما للجنس وهم داخلون فيه دخولا أوليّا، أو للعهد، ووضع المظهر موضع المضمر للتعليل، وبيان كونهم راسخين في الإفساد.
وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْكِتابِ أي: مع ما عددنا من سيئاتهم آمَنُوا برسول الله صلى الله عليه وسلم وبما جاء به وَاتَّقَوْا مباشرة الكبائر لَكَفَّرْنا عَنْهُمْ سَيِّئاتِهِمْ أي ذنوبهم وَلَأَدْخَلْناهُمْ جَنَّاتِ النَّعِيمِ في الآخرة مع المسلمين. وفيه إعلام بعظم معاصي اليهود والنصارى وكثرة سيئاتهم، ودلالة على سعة رحمة الله تعالى وفتحه باب التوبة على كل عاص، وإن عظمت معاصيه وبلغت مبالغ سيئات اليهود والنصارى، وأن الإسلام يجبّ ما قبله وإن جلّ. وأن الكتابيّ لا يدخل الجنة ما لم يسلم.
قال الزمخشريّ: وفيه أن الإيمان لا ينجي ولا يسعد إلا مشفوعا بالتقوى، كما قال الحسن: هذا العمود، فأين الأطناب؟ انتهى.