وَيا قَوْمِ ما لِي أَدْعُوكُمْ إِلَى النَّجاةِ وَتَدْعُونَنِي إِلَى النَّارِ تَدْعُونَنِي لِأَكْفُرَ بِاللَّهِ وَأُشْرِكَ بِهِ ما لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ أي بوجوده علم، إذ لا وجود له وَأَنَا أَدْعُوكُمْ إِلَى الْعَزِيزِ أي الغالب الذي يقهر من عصاه الْغَفَّارِ أي الذي يستر ظلمات نفوس من أطاعه، بأنواره.
القول في تأويل قوله تعالى: [سورة غافر (٤٠) : الآيات ٤٣ الى ٤٤]
لا جَرَمَ أَنَّما تَدْعُونَنِي إِلَيْهِ لَيْسَ لَهُ دَعْوَةٌ فِي الدُّنْيا وَلا فِي الْآخِرَةِ أي الذي تدعونني إلى عبادته، ليس له دعوة في الدنيا لدفع الشدائد والأمراض ونحوها، ولا في الآخرة لدفع أهوالها، على ما قاله المهايمي. أو لا دعوة له في الدارين لعدمه بنفسه، واستحالة وجوده فيهما، على ما قاله القاشانيّ. وقال الشهاب: عدم الدعوة عبارة عن جماديتها وأنها غير مستحقة لذلك. وسياق لا جَرَمَ عند البصريين أن يكدن (لا) ردّا لما دعاه إليه قومه وجَرَمَ بمعنى كسب. أي وكسب دعاؤهم إليه بطلان دعوته. أي ما حصل من ذلك إلا ظهور بطلان دعوته. ويجوز أن يكون لا جَرَمَ نظير (لا بد) من الجرم وهو القطع. فكما أنك تقول (لا بد لك أن تفعل) والبد من التبديد الذي هو التفريق، ومعناه لا مفارقة لك من فعل كذا، فكذلك لا جَرَمَ معناه لا انقطاع لبطلان دعوة الأصنام. بل هي باطلة أبدا. هذا ما يستفاد من (الكشاف) .
وفي (الصحاح) : قال الفرّاء: لا جَرَمَ كلمة كانت في الأصل بمنزلة لا محالة، ولا بد فجرت على ذلك وكثرت حتى تحولت إلى معنى القسم، وصارت بمنزلة (حقا) فلذلك يجاب عنها باللام. ألا تراهم يقولون (لا جرم لآتينك) وقد حقق الكلام فيها ابن هشام في (المغني) في بحث. والجلال في (همع الهوامع) أثناء بحث إن والقسم، فانظرهما. وَأَنَّ مَرَدَّنا إِلَى اللَّهِ وَأَنَّ الْمُسْرِفِينَ أي في الضلالة والطغيان وسفك الدماء هُمْ أَصْحابُ النَّارِ فَسَتَذْكُرُونَ ما أَقُولُ لَكُمْ أي من النصح عند معاينة الأهوال وما يحيق بكم وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ أي وأسلم أمري إليه وأجعله له وأتوكل عليه، فإنه الكافي من توكل عليه إِنَّ اللَّهَ بَصِيرٌ بِالْعِبادِ أي فيعلم المطيع منهم والعاصي، ومن يستحق المثوبة والعقوبة.