إِنَّهُ لَحَقٌّ مِثْلَ ما أَنَّكُمْ تَنْطِقُونَ أي مثل نطقكم. والضمير في (إنه) عائد لما ذكر من أمر الآيات والرزق، أو أمر النبيّ صلى الله عليه وسلم أو إلى ما تُوعَدُونَ ويؤيد الأخير ما تأثره من أنباء وعيد المكذبين، وبدأ منها بنبإ قوم لوط، لأن قراهم واقعة في ممرهم إلى فلسطين للاتجار، فقال سبحانه:
القول في تأويل قوله تعالى: [سورة الذاريات (٥١) : الآيات ٢٤ الى ٣٠]
هَلْ أَتاكَ حَدِيثُ ضَيْفِ إِبْراهِيمَ الْمُكْرَمِينَ يعني: الملائكة الذي دخلوا عليه في صورة ضيف. قال الزمخشريّ: فيه تفخيم للحديث، وتنبيه على أنه ليس من علم رسول الله صلى الله عليه وسلم وإنما عرفه بالوحي. وإكرامهم أن إبراهيم خدمهم بنفسه، وأخدمهم امرأته، وعجل لهم القرى، أو أنهم في أنفسهم مكرمون.
إِذْ دَخَلُوا عَلَيْهِ فَقالُوا سَلاماً قالَ سَلامٌ أي سلام عليكم قَوْمٌ مُنْكَرُونَ أي أنتم قوم لا أعرفكم. وهو كالسؤال منه عن أحوالهم، ليعرفهم. فإن قولك لمن لقيته:
أنا لا أعرفك! في قوة قولك: عرف لي نفسك وصفها.
فَراغَ إِلى أَهْلِهِ أي ذهب إليهم في خفية من ضيوفه. ومن أدب المضيف أن يخفي أمره، وأن يبادر بالقرى من غير أن يشعر به الضيف، حذرا من أن يكفّه ويعذره- قاله الزمخشريّ- وأيده الناصر بما حكى عن أبي عبيد: أنه لا يقال راغ، إلا إذا ذهب على خفية وأنه يقال روّغ اللقمة إذا غمسها فرويت سمنا. قال الناصر: وهو من هذا المعنى، لأنها تذهب مغموسة في السمن حتى تخفى. ومن مقلوباته (غور الأرض) والجرح. وسائر مقلوباته قريبة من هذا المعنى. انتهى.
فَجاءَ بِعِجْلٍ سَمِينٍ أي قد أنضجه شيا فَقَرَّبَهُ إِلَيْهِمْ أي بأن وضعه بين أيديهم قالَ أَلا تَأْكُلُونَ أي منه. قال القاضي: وهو مشعر بكونه حنيذا. والهمزة فيه للعرض، والحث على الأكل على طريقة الأدب، إن قاله أول ما وضعه. وللإنكار، إن قاله حينما رأى إعراضهم.