جهل قبيح. وإنما غرّه بربه الغرور، وهو الشيطان، ونفسه الأمّارة بالسوء، وجهله وهواه. وأتى سبحانه بلفظ الْكَرِيمِ وهو السيد العظيم المطاع الذي لا ينبغي الاغترار به ولا إهمال لحقه. فوضع هذا المغتر (الغرور) في غير موضعه، واغتر بمن لا ينبغي الاغترار به. انتهى.
وفي مثل هذا الغرور يجب- كما قال الغزاليّ- على العبد أن يستعمل الخوف.
فيخوّف نفسه بغضب الله وعظيم عقابه، ويقول: إنه، مع أنه غافر الذنب وقابل التوب، شديد العقاب. وإنه، مع أنه كريم، خلد الكفار في النار أبد الآباد. مع أنه لم يضرّه كفرهم. بل سلط العذاب والمحن والأمراض والعلل والفقر والجوع على جملة من عباده في الدنيا. وهو قادر على إزالتها. فمن هذه سنته في عباده، وقد خوّفني عقابه، فكيف لا أخافه؟ وكيف أغتر به؟ فالخوف والرجاء قائدان وسائقان يبعثان الناس على العمل. فما لا يبعث على العمل فهو تمنّ وغرور.
ورجاء كافة الخلق هو سبب فتورهم، وسبب إقبالهم على الدنيا، وسبب إعراضهم عن الله تعالى، وإهمالهم السعي للآخرة، فذلك غرور. وقد روي أن الغرور سيغلب على قلوب آخر هذه الأمة. وقد كان ذلك. فقد كان الناس في الإعصار الأول يواظبون على العبادات، ويؤتون ما آتوا وقلوبهم وجلة أنهم إلى ربهم راجعون، يخافون على أنفسهم، وهم طول الليل والنهار في طاعة الله، يبالغون في التقوى والحذر من الشبهات، والشهوات، ويبكون على أنفسهم في الخلوات وأما الآن فترى الخلق آمنين مسرورين مطمئنين غير خائفين. مع إكبابهم على المعاصي وانهماكهم في الدنيا وإعراضهم عن الله تعالى. زاعمين أنهم واثقون بكرم الله تعالى وفضله، راجون لعفوه ومغفرته. كأنهم يزعمون أنهم عرفوا من فضله وكرمه ما لم يعرفه الأنبياء والصحابة والسلف الصالحون. فإن كان هذا الأمر يدرك بالمنى، وينال بالهوينا، فعلى ماذا كان بكاء أولئك وخوفهم وحزنهم؟
ثم قال: والقرآن من أوله إلى آخره تحذير وتخويف. ولا يتفكر فيه متفكر إلا ويطول حزنه ويعظم خوفه، إن كان مؤمنا بما فيه. وترى الناس يهذّونه هذّا. يخرجون الحروف من مخارجها ويتناظرون على خفضها ورفعها ونصبها، وكأنهم يقرءون شعرا من أشعار العرب. لا يهمهم الالتفات إلى معانيه، والعمل بما فيه. وهل في العالم غرور يزيد على هذا؟ انتهى.
القول في تأويل قوله تعالى: [سورة الانفطار (٨٢) : الآيات ٩ الى ١٢]