للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الهاء وضمها وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْباً قال الزمخشريّ: شبه الشيب بشواظ النار في بياضه وإنارته، وانتشاره في الشعر وفشوه فيه، وأخذه منه كل مأخذ- باشتعال النار.

ثم أخرجه مخرج الاستعارة. ثم أسند الاشتعال إلى مكان الشعر ومنبته وهو الرأس.

وأخرج الشيب مميزا ولم يضف الرأس اكتفاء بعلم المخاطب أنه رأس زكريا. فمن ثم فصحت هذه الجملة وشهد لها بالبلاغة. وظاهره أن فيه استعارتين مبنيتين على تشبيهين: أولاهما تصريحية تبعية في (اشتعل) بتشبيه انتشار المبيضّ في المسودّ باشتعال النار، كما قال ابن دريد في (مقصورته) .

إمّا ترى رأسي حاكى لونه ... طرّة صبح تحت أذيال الدجا

واشتعل المبيضّ في مسودّه ... مثل اشتعال النّار في جزل الغضا

والثانية مكنية. بتشبيه الشيب، في بياضه وإنارته، باللهب. وهذا بناء على أن المكنية قد تنفك عن التخييلية، وعليه المحققون من أهل المعاني. وقيل: إن الاستعارة هنا تمثيلية. فشبه حال الشيب بحال النار، في بياضه وانتشاره وَلَمْ أَكُنْ بِدُعائِكَ رَبِّ شَقِيًّا أي ولم أكن بدعائي إياك خائبا في وقت لم أعوّد منك إلا الإجابة في الدعاء، ولم تردّني قط. وهذا توسل منه إلى الله تعالى بما سلف له معه من الاستجابة، إثر تمهيد ما يستدعي الرحمة ويستجلب الرأفة، من كبر السن وضعف الحال. فإنه تعالى بعد ما عوّد عبده بالإجابة دهرا طويلا. لا يكاد يخيبه أبدا. لا سيما عند اضطراره وشدة افتقاره.

[تنبيه:]

استفيد من هذه الآيات آداب الدعاء وما يستحبّ فيه. فمنها الإسرار بالدعاء، لقوله (خفيّا) ومنها استحباب الخضوع في الدعاء وإظهار الذل والمسكنة والضعف لقوله: وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْباً ومنها التوسل إلى الله تعالى بنعمه وعوائده الجميلة لقوله: وَلَمْ أَكُنْ إلخ كما قدمنا.

القول في تأويل قوله تعالى: [سورة مريم (١٩) : الآيات ٥ الى ٦]

وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوالِيَ مِنْ وَرائِي وَكانَتِ امْرَأَتِي عاقِراً فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا (٥) يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ وَاجْعَلْهُ رَبِّ رَضِيًّا (٦)

وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوالِيَ مِنْ وَرائِي أي الذين يلون أمر رهطي من بعد موتي، لعدم صلاحية أحد منهم لأن يخلفني في القيام بما كنت أقوم به، من الإرشاد ووعظ

<<  <  ج: ص:  >  >>