يسلبون لفظ القرآن ما دل عليه وأريد به، وتارة يحملونه على ما لم يدل عليه ولم يرد به. وفي كلا الأمرين قد يكون ما قصدوا نفيه أو إثباته من المعنى باطلا، فيكون خطؤهم في الدليل والمدلول. وقد يكون حقّا، فيكون خطؤهم في الدليل لا في المدلول. فالذين أخطئوا فيهما، مثل طوائف من أهل البدع، اعتقدوا مذاهب باطلة، وعمدوا إلى القرآن فتأولوه على رأيهم، وليس لهم سلف من الصحابة والتابعين، لا في رأيهم ولا في تفسيرهم. وقد صنفوا تفاسير على أصول مذهبهم. مثل تفسير عبد الرحمن بن كيسان الأصم والجبّائي وعبد الجبار والرمّاني والزمخشري وأمثالهم.
وهؤلاء من يكون حسن العبارة يدس البدع في كلامه، وأكثر الناس لا يعلمون، كصاحب الكشاف ونحوه. حتى إنه يروج على خلق كثير من أهل السنة تفاسيرهم الباطلة. وتفسير ابن عطية وأمثاله أتبع للسنة وأسلم من البدعة. ولو ذكر كلام السلف المأثور عنهم على وجهه لكان أحسن، فإنه كثيرا ما ينقل من تفسير ابن جرير الطبريّ، وهو من أجلّ التفاسير وأعظمها قدرا، ثم إنه يدع ما ينقله ابن جرير عن السلف ويذكر ما يزعم أنه قول المحققين، وإنما يعني بهم طائفة من أهل الكلام الذين قرروا أصولهم بطرق من جنس ما قررت به المعتزلة أصولهم، وإن كانوا أقرب إلى السنة من المعتزلة، لكن ينبغي أن يعطى كل ذي حق حقه، فإن الصحابة والتابعين والأئمة إذا كان لهم في الآية تفسير، وجاء قوم فسروا الآية بقول آخر لأجل مذهب اعتقدوه، وذلك المذهب ليس من مذاهب الصحابة والتابعين، صار مشاركا للمعتزلة وغيرهم من أهل البدع في مثل هذا.
وفي الجملة من عدل عن مذاهب الصحابة والتابعين وتفسيرهم إلى ما يخالف ذلك كان مخطئا في ذلك بل مبتدعا، لأنهم كانوا أعلم بتفسيره ومعانيه، كما أنهم أعلم بالحق الذي بعث الله به رسوله. وأما الذين أخطئوا في الدليل لا في المدلول كمثل كثير من الصوفية والوعاظ والفقهاء، يفسرون القرآن بمعان صحيحة في نفسها، لكن القرآن لا يدل عليها، مثل كثير مما ذكره السلميّ في الحقائق، فإن كان فيما ذكروه معان باطلة دخل في القسم الأول. انتهى.
٤- قاعدة في معرفة النزول:
قال ابن تيمية: معرفة سبب النزول يعين على فهم الآية، فإن العلم بالسبب يورث العلم بالمسبب. وقد أشكل على مروان بن الحكم معنى قوله تعالى: لا