والانصداع وَتِلْكَ الْأَمْثالُ نَضْرِبُها لِلنَّاسِ أي وتلك الأمور، وإن كانت وهمية، مفروضة، فلا بد من اعتبارها وضربها للناس الذين نسوا صغر مقدارهم فتكبروا، ولينهم فقست قلوبهم لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ أي ليعلموا أنه أولى بذلك الخشوع والتصدع.
قال الزمخشري: الآية تمثيل كما مرّ في قوله: إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمانَةَ [الأحزاب: ٧٢] . وقد دل عليه قوله: وَتِلْكَ الْأَمْثالُ نَضْرِبُها لِلنَّاسِ والغرض توبيخ الإنسان على قسوة قلبه، وقلة تخشعه، عند تدبر القرآن، وتدبر قوارعه وزواجره.
ثم أشار تعالى إلى أنه كيف يترك الخشوع لذات الله وأسمائه، مع أنه:
القول في تأويل قوله تعالى: [سورة الحشر (٥٩) : الآيات ٢٢ الى ٢٤]
هُوَ اللَّهُ الَّذِي لا إِلهَ إِلَّا هُوَ أي المعبود الذي لا تنبغي العبادة والألوهية إلا له.
عالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ أي ما غاب عن الحس وشوهد هُوَ الرَّحْمنُ الرَّحِيمُ أي المنعم بالنعم العامة والخاصة. ومن كان مطلعا على الأسرار يحب أن يخشع له، ويخشى منه، لا سيما من حيث كونه منعما. إذ حق المنعم أن يخشع له، ويخشى أن تسلب نعمه هُوَ اللَّهُ الَّذِي لا إِلهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ أي الغني المطلق، الذي يحتاج إليه كل شيء، المدبر للكل في ترتيب نظام لا أكمل منه الْقُدُّوسُ أي المنزه عما لا يليق بجلاله، تنزها بليغا السَّلامُ أي الذي يسلم خلقه من ظلمه، أو المبرأ عن النقائص كالعجز الْمُؤْمِنُ أي لأهل اليقين بإنزال السكينة، ومن فزع الآخرة الْمُهَيْمِنُ أي الرقيب على كل شيء باطلاعه واستيلائه وحفظه الْعَزِيزُ أي القويّ الذي يغلب ولا يغلب الْجَبَّارُ أي الذي تنفذ مشيئته على سبيل الإجبار في كل أحد، ولا تنفذ فيه مشيئة أحد، والذي لا يخرج أحد عن قبضته- قاله الغزالي في (المقصد الأسنى) -.