الثانية: في ذكر عدم تنزيل الحجة مع استحالة تحققها في نفسها، إشعار بنفيها ونفي نزولها جميعا. لأن ما لم ينزل به سلطانا، لا سلطان له.
الثالثة: قال أبو السعود: في الآية إيذان بأن المتبع في الباب هو البرهان السماويّ، دون الآراء والأهواء الباطلة.
وقد سبقه إلى ذلك الرازيّ حيث قال: هذه الآية دالة على فساد التقليد. وذلك لأن الآية دالة على أن الشرك لا دليل عليه، فوجب أن يكون القول به باطلا، وهذا إنما صح إذا كان القول بإثبات ما لا دليل على ثبوته، يكون باطلا، فيلزم فساد القول بالتقليد- انتهى- ثم أخبرهم أنه صدقهم وعده في النصر على عدوه، وهو الصادق الوعد، وأنهم لو استمروا على الطاعة ولزموا أمر الرسول لاستمرت نصرتهم، ولكن انخلعوا عن الطاعة، وفارقوا مركزهم ففارقهم النصر، فصرفهم عن عدوهم عقوبة وابتلاء وتعريفا لهم سوء عواقب المعصية وحسن عاقبة الطاعة بقوله:
[القول في تأويل قوله تعالى: [سورة آل عمران (٣) : آية ١٥٢]]
وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ اللَّهُ وَعْدَهُ في قوله: وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ. إِذْ تَحُسُّونَهُمْ أي تقتلونهم قتلا كثيرا. من (حسه) إذا أبطل حسه بِإِذْنِهِ أي بتيسيره وتوفيقه حَتَّى إِذا فَشِلْتُمْ أي ضعفتم وتراخيتم بالميل إلى الغنيمة وَتَنازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ أي في الإقامة بالمركز، فقال أصحاب عبد الله «١» :
الغنيمة. أي قوم! الغنيمة. ظهر أصحابكم فما تنظرون؟ قال عبد الله بن جبير:
أنسيتم ما قال لكم رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالوا: إنا والله لنأتين الناس فلنصيبن من الغنيمة، فلما أتوهم صرفت وجوههم، فأقبلوا منهزمين- رواه الإمام أحمد- و (الأمر) إما بمعنى الشأن والقصة، وإما الذي يضادّه (النهي) أي فيهم أمرتم به من عدم البراح وَعَصَيْتُمْ أي أمر الرسول أن لا تبرحوا إن رأيتمونا ظهرنا عليهم،