وتنوينه تفخيميّ مؤيد للتشنيع عليهم، والتعجيب من حالهم. فالتعبير عنهم بالموصول للتنبيه بما في حيز الصلة على كمال شناعتهم، والإشعار بمكان ما طوي ذكره في المعاملة المحكية عنهم من الهدى الذي هو أحد العوضين يَشْتَرُونَ الضَّلالَةَ وهو البقاء على اليهودية، بعد وضوح الآيات لهم على صحة نبوّة الرسول صلى الله عليه وسلم، وأنه هو النبيّ المبشّر به في التوراة والإنجيل. أي يأخذون الضلالة ويتركون ما أوتوه من الهدى ليشتروا ثمنا قليلا من حطام الدنيا.
وإنما طوى ذكر المتروك لغاية ظهور الأمر. لا سيما بعد الإشعار المذكور.
والتعبير عن ذلك بالاشتراء، الذي هو عبارة عن استبدال السلعة بالثمن، أي أخذها بدلا منه، أخذا ناشئا عن الرغبة فيها والإعراض عنه- للإيذان بكمال رغبتهم في الضلالة، التي حقها أن يعرض عنها كلّ الإعراض. وإعراضهم عن الهداية التي يتنافس فيها المتنافسون. وفيه من التسجيل على نهاية سخافة عقولهم، وغاية ركاكة آرائهم- ما لا يخفى. حيث صورت حالهم بصورة ما لا يكاد يتعاطاه أحد ممن له أدنى تمييز. قاله أبو السعود وَيُرِيدُونَ أَنْ تَضِلُّوا السَّبِيلَ أي لا يكتفون بضلال أنفسهم بل يريدون بما فعلوا، من كتمان نعوته صلى الله عليه وسلم، أن تضلوا أيها المؤمنون سبيل الحق كما ضلوا، ويودون لو تكفرون بما أنزل عليكم من الهدى والعلم النافع.
[القول في تأويل قوله تعالى: [سورة النساء (٤) : آية ٤٥]]
وَاللَّهُ أَعْلَمُ أي منكم بِأَعْدائِكُمْ أي وقد أخبركم بعداوتهم لكم، وما يريدون بكم، فاحذروهم. ولا تستنصحوهم في أموركم، ولا تستشيروهم وَكَفى بِاللَّهِ وَلِيًّا يلي أموركم وَكَفى بِاللَّهِ نَصِيراً ينصركم. أي: فثقوا بولايته ونصرته دونهم. ولا تتولوا غيره. أو: ولا تبالوا بهم وبما يسومونكم من السوء. فإنه تعالى يكفيكم مكرهم وشرهم. ففيه وعد ووعيد.
[القول في تأويل قوله تعالى: [سورة النساء (٤) : آية ٤٦]]