قال في (العناية) : فإن قلت: قولهم إِنَّا كَفَرْنا جزم بالكفر لا سيما وقد أكّد ب (إن) ، فقولهم وَإِنَّا لَفِي شَكٍّ ينافيه، قلت: أجيب بأن الواو بمعنى أو، أي أحد الأمرين لازم وهو: إنا كفرنا جزما فإن لم نجزم فلا أقل من أن نكون شاكين فيه. وأيّا ما كان، فلا سبيل إلى الإقرار. وقيل: إن الكفر عدم الإيمان عمن هو من شأنه، فكفرنا بمعنى لم نصدق، وذلك لا ينافي الشك، أو متعلق الكفر الكتب والشرائع، ومتعلق الشك ما يدعونهم إليه من التوحيد مثلا. انتهى.
أي: فلا ينافي شكّهم في ذلك كفرهم القطعيّ بالأول.
وقوله تعالى: مُرِيبٍ بمعنى موقع في الريبة، من (أرابه) أوقعه فيها أو ذي ريبة، من (أراب) : صار ذا ريبة وهي صفة مؤكدة.
[القول في تأويل قوله تعالى: [سورة إبراهيم (١٤) : آية ١٠]]
قالَتْ رُسُلُهُمْ أَفِي اللَّهِ شَكٌّ فاطِرِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ أي: وهو ممّا لا مجال للشك فيه لغاية ظهوره.
قال ابن كثير: هذا يحتمل معنيين: أحدهما: أفي وجوده شك؟ فإن الفطر شاهدة بوجوده ومجبولة على الإقرار به. فإن الاعتراف به ضروريّ في الفطر السليمة، ولكن قد يعرض لبعض الفطر شك واضطراب فيحتاج إلى النظر في الدليل الموصل إلى وجوده، ولهذا قالت لهم الرسل ترشدهم إلى طريق معرفته بأنه فاطر السموات والأرض- أي الذي خلقهما وابتدعهما على غير مثال سبق- فإن شواهد الحدوث والخلق والتسخير ظاهر عليهما. فلا بدّ لهما من صانع وهو الله لا إله إلّا هو خالق كل شيء وإلهه ومليكه. والمعنى الثاني: أفي إلهيته وتفرده بوجوب العبادة له، شك؟
وهو الخالق لجميع الموجودات ولا يستحق العبادة إلّا هو وحده لا شريك له، فإن غالب الأمم كانت مقرة بالصانع، ولكن تعبد معه غيره من الوسائط التي يظنونها تنفعهم أو تقرّبهم من الله زلفى. انتهى.
وسبق لنا في سورة الأعراف البحث في أن معرفته تعالى ضرورية أو نظرية فارجع إليه.