وسمع كلامه تعالى وأوامره ووصاياه.. ثم انحدر موسى إلى قومه، وأعلمهم بما أمروا به، وصاروا يشاهدون على الجبل ضبابا، وصوت رعود، وبروقا. ثم أمر تعالى موسى أن يصعد إلى الجبل ليؤتيه الشرائع التي كتبها على قومه. فصعد موسى الجبل، وكان مغطى بالغمام، فدخل موسى في وسط الغمام وأقام في الجبل أربعين يوما، لم يأكل ولم يشرب، لما أمدّ من القوة الروحانية، والتجليات القدسية، وأوتي في برهتها الألواح التي كتبت فيها شرائعهم، ولما رجع إلى قومه، كان على وجهه أشعة نور مدهشة، فخافوا من الدنوّ منه. فجعل على وجهه برقعا، فكان إذا صعد الجبل للمناجاة، رفعه، وإذا أتاهم وضعه. والله أعلم.
وَقالَ مُوسى لِأَخِيهِ هارُونَ أي حين توجه للمناجاة اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي أي:
كن خليفتي فيهم وَأَصْلِحْ وَلا تَتَّبِعْ سَبِيلَ الْمُفْسِدِينَ أي لا تتبع من سلك الإفساد ولا تطع من دعاك إليه.
[تنبيه:]
قال الجشمي: تدل الآية على أنه استخلف هارون عند خروجه، لما رأى أنهم أشد طاعة له، وأكثر قبولا منه، ومخاطبات موسى عليه السلام لهارون وجوابه له كقوله: أَفَعَصَيْتَ أَمْرِي [طه: ٩٣] ، وقول هارون تَأْخُذْ بِلِحْيَتِي
[طه: ٩٤] فَلا تُشْمِتْ بِيَ الْأَعْداءَ [الأعراف: ١٥٠] كل ذلك كالدال على أن موسى كان يختص بنوع من الولاية، وإن اشتركا في النبوة. والظاهر أنه استخلفه إلى أن يرجع، لأنه المعقول من الاستخلاف عند الغيبة. وتدل على أنه يجوز أن ينهاه عن شيء يعلم أنه لا يفعله، ويأمره بما يعلم أنه سيفعله، عظة له، واعتبارا لغيره، وتأكيدا ومصلحة للجميع. انتهى.
وَلَمَّا جاءَ مُوسى لِمِيقاتِنا أي حضر الجبل لوقتنا الذي وقّتنا له وحددنا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ أي خاطبه من غير واسطة ملك قالَ رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ قالَ لَنْ تَرانِي