وَآتَيْناهُ فِي الدُّنْيا حَسَنَةً أي من الذكر الجميل. كما قال: وَجَعَلْنا لَهُمْ لِسانَ صِدْقٍ عَلِيًّا [مريم: ٥٠] ، ومن الصلاة والسلام عليه، كما قال: وَتَرَكْنا عَلَيْهِ فِي الْآخِرِينَ سَلامٌ عَلى إِبْراهِيمَ [الصافات: ١٠٨- ١٠٩] ، ومن تمتيعه بالحظوظ ليتقوى على القيام بحقوق العبودية وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ أي في عالم الأرواح لَمِنَ الصَّالِحِينَ أي المتمكنين في مقام الاستقامة، بإيفاء كل ذي حق حقه، الذين لهم الدرجات العليا في الجنة.
ثُمَّ أَوْحَيْنا إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْراهِيمَ حَنِيفاً وَما كانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ أي بعد هذه الكرامات والحسنات التي أعطيناه إياها في الدارين، شرفناه وكرمناه بأمرنا، باتباعك إياه في التوحيد وأصول الدين التي لا تتغير في الشرائع. كأمر المبدأ والمعاد والحشر والجزاء وأمثالها. لا في فروع الشريعة وأوضاعها وأحكامها. فإنها تتغير بحسب المصالح واختلاف الأزمنة والطبائع، وما عليه أحوال الناس من العادات والخلائق.
قاله القاشانيّ.
وفي (الإكليل) استدل أصحابنا بهذه الآية على وجوب الختان، وما كان من شرعه، ولم يرد به ناسخ.
[لطيفة:]
قال الزمخشري: في ثُمَّ هذه ما فيها من تعظيم منزلة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإجلال محله، والإيذان بأن أشرف ما أوتي خليل الله إبراهيم صلى الله عليه وسلم من الكرامة، وأجلّ ما أولي من النعمة، اتباع رسول الله صلى الله عليه وسلم ملته، من قبل أنها دلت على تباعد هذا النعت في المرتبة، من بين سائر النعوت التي أثنى الله عليه بها.
قال الناصر: وإنما تفيد ذلك ثُمَّ لأنها في أصل وضعها لتراخي المعطوف عليه في الزمان. ثم استعملت في تراخيه عنه في علوّ المرتبة، بحيث يكون المعطوف على رتبته وأشمخ محلّا مما عطف عليه. فكأنه بعد أن عدّد مناقب الخليل عليه السلام، قال تعالى: وهاهنا ما هو أعلى من ذلك كله قدرا، وأرفع رتبة، وأبعد رفعة، وهو أن النبيّ صلى الله عليه وسلم الأميّ، الذي هو سيد البشر، متبع لملة إبراهيم، مأمور باتباعه بالوحي، متلوّا أمره بذلك في القرآن العظيم. ففي ذلك تعظيم لهما جميعا.
لكن نصيب النبيّ صلى الله عليه وسلم من هذا التعظيم أوفر وأكبر. على ما مهدناه. وقوله تعالى: